ما هي الرجولة؟ هل فكرت يومًا بهذا السؤال؟ ماذا نعني عندما نقول أن فلان رجل "حقيقي"؟ ما هي الواجبات والأداءات والامتيازات التي يتمتع الرجال بها ويرزحون تحت ثقلها في نفس الوقت؟ كيف تتشكل الرجولة في مجتمعاتنا؟ كيف نقولب الأطفال الذكور ونصنعهم رجالاً في البيت والعمل والجيش والشارع والفراش ونشرات الأخبار والمسلسلات؟ ما هي القيم التي نلصقها بالرجولة، وما هي تبعات غيابها أو مشكلتها؟
كمحاولة للإجابة عن هذه الأسئلة نقدم لكمن ملف "تصنيع الرجولة".
نعي تمامًا أننا نعيش في ظل نظام أبوي يظلم الجميع لكنه يميز فئة الرجال عمومًا على حساب الكل، ومن ثم يقسم هذه الفئة إلى مراتب يتربّع على عرشها الرجال الغيريّون المقتدرون ماديًا، القادرون سياسيًا واجتماعيًا، الأعلى صوتًا. نعي كذلك ضرورة أن يكون التحليل تقاطعيًا وحساسًا لاختلاف التجارب باختلاف المواقع وعلاقات القوى، وأن إغفال ذلك ما هو إلا تأكيدٌ لسردية هؤلاء وإسكات لغيرهم. نعرف أن الرجال يأخذون مساحات أكبر مما يجب، وأن أسماءهم هي التي يسجلها التاريخ، وأن أجسادهم هي التي يُعنى بها الطب، وأن سلطتهم ومنزلتهم هي التي تعطيها المجتمعات الأولوية.
لكننا ندرك أيضًا أهمية أن نحلل كل هذا. فلا يمكننا أن نحاول تصحيح النظام الأبوي بلا تفكيك ديناميكياته، ولا يمكننا أن نختصر تحليلنا على النساء والأقليات الجنسية، ولا فائدة ترجى من صمّ آذاننا عن أصوات الرجال الناقدة.
ننشر في هذا الملف موادًا نصية ومتعددة الوسائط تتعاطى مع أوجه الرجولة، ومعانيها، وتبعاتها. كمحاولة للتفكير في تركيبة مجتمعاتنا نشجعكم على سماع الأصوات التي ننشرها هنا، وعلى التماهي مع تجارب أصحابها وصاحباتها. سترون أنفسكن في بعض هذه القصص وربما سترون أشخاصًا تعرفونهن أو حوادث شهدتموها. وربما ستسمعون حسًا جديدًا من رجال عارفين لامتيازاتهم وناقدين لها، ومن آخرين وأخريات يحاولون فتح الصندوق والخروج منه مهما كانت المقاومة التي يواجهونها. نحثكم على مرافقتهم في خطواتهم، وندعوكن للإنصات، ونذكركم، ونذكر أنفسنا، بأن النظام الأبوي يضع القيود حول أعناقنا، وأيدينا، ومشاعرنا جميعًا.