"هذا اليوم يومك، هذا العيد عيدك"، يقولون لك ذلك وأنت تسير بينهم كأضحية العيد الذي هو عيدك.
ألبسوني لباسًا غريبًا يشبه لباس مشايخ آل سعود: جبّةٌ بيضاء واسعةٌ مطرّزةٌ بأشكالٍ ذهبيةٍ متداخلةٍ على الحواف، مع طاقيةٍ بيضاء تحمل الأشكال نفسها، وحذاءٌ قماشي أبيض حادّ المقدمة. كم بدوت مضحكًا وأنا أحاول التماهي مع كل تلك الأشياء، حتى أنني لم أعرف الطريقة الصحيحة للمشي، يشعر المرء كما لو أنه بارتداء هذه الثياب يدخل طورًا تحوّليًا يصبح فيه شخصًا آخر، دون أن يعرف الطريقة الملائمة ليصير ذلك الشخص.
أنا مقبلٌ على الختان، أقول في نفسي دون أن أعرف ماذا يعني ذلك، الرسول قال إنه طهورٌ ويقي من الأمراض، كما أنه نوعٌ من العبادة، وجدّي وأمي يقولان إن المرء يصبح رجلًا بعد أن يُختن. عمتي تقول إن أموالًا كثيرة تنتظرني، وأبي يصمت ويكتفي بطمأنتي من حينٍ إلى حين بأنّ الأمور ستسير بسلاسة.
تدخل ذلك المكانَ الشبيه بمذبح، يمدّدك الطّهّار-الجزّار على سريرٍ يُوحي بالموت، يتحلّّق حولك الجميع ويمدّون أيديهم مستعدّين لشيءٍ يظلّ مجهولًا لديك، وما أن ترى في يد الرجل لمعان المقصّ حتى تبدأ في الصّكّ والاهتزاز محاولًا النجاة شاعرًا بأنك تعرضت لخيانةٍ دبّرها لك الجميع ابتداءً من والدك. لا تتحرك كثيرًا حتى تُشلّ بعد أن يثبّتك الجميع الذين اتضح لك الآن الشيء المجهول الذي كانوا مستعدين له، وما هي إلا لحظةٌ خاطفةٌ حتى يقضي الله أمره و تنزل المقصلة على عنق الثور المغدور. الألم فظيع، تكاد حنجرتك تتمزق من الصراخ، حرارة جسمك ترتفع، شرايينك تضرب بعنف، إبان ذلك تتمنى لو أن بإمكانك تمزيق أيور كل هؤلاء الناس الذين يبدؤون فجأة في الضحك حولك ببهجةٍ ملقين بأوراقهم النقديّة فوق كفنك. تفكر في أن تحشر أموالهم في مؤخراتهم، لا تقوى على التفكير في أنّ لك أيرًا بين فخذيك وأنه الآن شبه مذبوح، لا تفهم شيئًا.
يقتادونك إلى السيّارة في فرح بينما تكون وحدك عابسًا، إنه عيدكم أنتم ولست أنا سوى أضحيةٍ فيه يا كلاب. تقول في صمتك.
تدخل إلى البيت متأملًا باكفهرار وتجهم الأجواء الاحتفالية. رائحة الكسكس واللحم المفوّر والشربة وطاجين الزيتون الجزائري التقليدي تسبح في الهواء. بنات خالاتك وقريباتك أعددن أنفسهنّ وتطوّعن بكلّ زينتهنّ لحمل قِصَعِ الطعام من غرفةٍ إلى أخرى احتفاءً بالضيوف. الجميع يبتسمون لك ويثقبون أذنيك بالزغاريد والغناء بينما يبدو لك أن الأنسب إيقاف هذا الصخب كله وإقامة جنازةٍ وقورةٍ تليق بما حدث للتوّ لما يبدو لك أنه رأسك الآخر وقد نزلت عليه المقصلة. لا يمكنك أن تتفاعل مع حماسهم، يصرّون على جعلك في مركز هذا الاحتفال، بينما كلّ ما تريده أن تنزوي الآن في غرفتك وتلبث خاشعًا في الفراغ لا تفعل شيئًا ريثما تتجاوز الأمر أو يتجاوزك. تتقدّم بين الجموع وتخرج إلى الحوش، أصواتٌ كثيرةٌ تنخر جمجمتك منبعثةً من حناجر الكهول الذين وجدوا هذه المناسبة فرصةً كي يتحدثوا في كلّ شيء، يلتفت إليك أحدهم فجأة ويشير إليك بإصبعه ضاحكًا ضحكة واسعة، ثم يلتفت الجميع إليك وتتوالى صرخاتهم: "مبارك أيها الرجل الصغير"، "هذا هو ابننا"، ثم ينصرفون عنك إلى الحديث عن الختان بحنينٍ غامضٍ وكلماتٍ غريبةٍ لا تفهمها ولا تحاول أن تفهمها بينما تبتعد عنهم باحثًا عن مكان أقل ازدحامًا مٌخلّفًا أصواتهم وراءك تتضاءل شيئًا فشيئًا.
تبدأ في المشي كبطريقٍ مباعدًا بين فخذيكَ لئلّا يرتطما بما بينهما، تجلس على تلك الحال، تنحني على تلك الحال، وتنام على تلك الحال. إنه شيءٌ مفجع. أذكر أنني لم ألقِ نظرةً على أيري طيلة أيام، وحين أردت التبوّل كنت أطلب من أبي اصطحابي إلى المرحاض، يرفع عنّي القميص الواسع ويصوّب أيري نحو الحوض، إبّان ذلك أكون مغمضًا عينيّ أعضّ شفتي، وأفكر مرارًا إن كان كل هذا حلمًا سيئًا سأستيقظ منه. بدا أنّ ذلك هو الاحتمال الوحيد الذي يمكن بتحققه أن أتصالح مع جسدي من جديد ولا أخاف منه، ولذلك ظللت أفكر بيأس في أنه من الممكن أن يكون كل ذلك حلمًا بالفعل، وكنت أقنع نفسي بذلك في اللحظات اليسيرة التي أفكر خلالها فيه.
مضت أيامٌ وشهورٌ إلى أن نسيت، وبدأت أتأمّل أيري نافرًا من شكله الجديد، بدا أشبه برجلٍ مضحكٍ رأسه أكبر منه، شبيهٌ بالقبّعة، ثم شيئًا فشيئًا تعودت على المنظر بطبيعة الحال، وأقنعت نفسي بأن هذا في صالحي حتى لا أمرض وحتى أنال الجزاء أيضًا، ثم إن المال كان كثيرًا، وقد صار لديّ مزاج ملائم للتفكير في كيفيّة إنفاقه وهذا كافٍ كي لا أفكر في أيري وأترك للزمن التكفل بشؤونه.
مارست الجنس بعد ذلك بستّ سنوات، لم أكن بالغًا بعد لكن كانت لديّ رغبة، ولاحظت أنني لا أستطيع المواصلة لفترة طويلة حتى أشعر بأن انسدادًا يحدث في أيري. شعرت بالقلق لكنني فكرت في أن ذلك سيزول ما إن أبلغ، ولكنّه لم يزل واكتشفت أنني أقذف سريعًا. وعلى أية حال ظل موضوع الختان في ذهني بعيدًا عن هذا كله. لم يكن ثمّة معطيات لديّ لأحزر أو حتى لأشكّ في أن له علاقةً بسرعة القذف هذه، لمَ يُفترض به أن يكون سببًا؟ ولماذا لم يشتكِ أحدٌ من ذلك سواي؟ لم أطرح هذه الأسئلة أصلًا لأنني لم أشكّ كما قلت، وفكرت في أن المشكلة لها سبب آخر أو أنها بلا سبب أصلا، كل ما في الأمر أنني أتيت هكذا.
ذات يوم، اكتشفت أن الختان كان عادة تناقلها اليهود عن الفراعنة وانتقلت لاحقًا إلى المسلمين. وفهمت الحكمة منه لدى الفراعنة؛ إذ كانوا يفعلون ذلك حتى يصبح بإمكان الرجل تلقيح أكبر عدد من النساء في أقصر وقت لضمان حفظ النسل مع تفرّغ الجميع لأعمالهم الأخرى دون أن تؤثر ممارسة الجنس في تدبيرهم لوقتهم. إذ بقصّ الغلَفة تتضاءل اللذة الجنسية ويصبح القذف سريعًا وهي عوامل تجعل الممارسة سريعةً ولا تتجاوز الحاجة أيضًا، نظرًا لتضاؤل اللذة الناجمة عنها بقصّ الغلفة.
اكتشفت أيضًا أنّ تلك الغلفة التي يقصّونها تقي من العديد من المشاكل الناجمة عن الاحتكاكات الخارجية، وتفرز موادًا ضرورية لحماية الحشفة، وأنها ضامنٌ لسلاسة الممارسة الجنسية فهي بتغطيتها للحشفة إبان الولوج والخروج تؤخر الوصول إلى الذروة، تؤخره في منظور من هو مختّن طبعًا، أما في الحقيقة فهي تعطيه وقته الكافي فقط.
كنت مصدومًا.
أردت معانقة أيري والانخراط معه في نوبة بكاءٍ حادة، فجأةً أتت أمي ووجدتني سارحًا أهرش رأسي بحنقٍ وعلى وجهي ملامحٌ توحي بانفعالٍ عميق، سألتني:
- وشبيه الرّاجل تاعنا؟
- الرّاجل تاعكم يقوللكم
إضافة تعليق جديد