شهدَت منطقة شمال إفريقيا في السنوات الأخيرة تأثيراتٍ واضحةً لظاهرة تغيّر المناخ. ويُتوقّع أن ترتفع درجات الحرارة بشكلٍ كبيرٍ بحلول نهاية القرن، وكذلك مستوى مياه البحار، وأن تتفاقم ظاهرة التصحّر.1 وتُعتبر ندرة المياه من أبرز التحدّيات المناخية في المنطقة، حيث يقدّر البنك الدولي أن تصل تكلفتها إلى نحو 6% من الناتج المحلّي الإجمالي للمنطقة بحلول العام 2050. عمليًا، سوف تؤثّر هذه التطوّرات على المجتمعات المحرومة التي تكافح من أجل حقوقها وحرّياتها، بما في ذلك أفراد مجتمع الميم-عين+ والمهاجرات.ين والنساء، الذين واللواتي قد تواجههن.م تحدّياتٌ أكبر في تحصيل حقوقهم.ن وحرياتهم.ن.2
تؤثّر التغيّرات المناخية على جوانب متعدّدة من حياة أفراد مجتمع الميم-عين+ في شمال إفريقيا، ولاسيّما مع الصعوبات التي يواجهونها في الوصول إلى الحقوق المتعلّقة بالصحّة والتعليم والعمل، نتيجة التهميش المُمنهج والتجريم لجنسانيّاتهم.ن وهويّاتهم.ن الجندرية.
يؤدّي التغيّر المناخي في شمال إفريقيا إلى زيادة تدهور الوضع الصحّي للمجتمعات المحلّية عمومًا، ولمجتمع الميم-عين+ خصوصًا وبدرجةٍ أكثر حدّة. وبالتالي، إنّ فهم تأثير التغيّر المناخي على الولوج إلى الخدمات الصحّية والوضع الصحّي لمجتمع الميم-عين+ يكشف عن جوانب عدّةٍ مُرتبطةٍ بهذه المسألة.
أحد هذه الجوانب هو زيادة انتشار الأمراض المُعدية وتلك المُتعلّقة بجودة المياه والغذاء بحسب منظّمة الصحّة العالمية، بحيث يواجه أفراد مجتمع الميم-عين+ تحدّياتٍ صحّيةً جسيمةً نظرًا لصعوبة الوصول إلى الخدمات الصحّية الأساسية والرعاية الصحّية المناسبة لمكافحة هذه الأمراض وعلاجها.
ويتمثّل أحد هذه الأسباب التي تؤثر على صعوبة تحصيل الخدمات الصحية في نقص المعرفة والوعي بقضايا أفراد مجتمع الميم-عين+ بين مقدّمي الرعاية الصحية والنفسية. فالعديد من الأشخاص العابرات.ين ولاثنائيّي.ات الجندر قد يتجنّبون اللجوء إلى الخدمات الصحية خوفًا من مواجهة التمييز أو الاعتراض. كما أنّ بعض التصريحات التي يطلقها بعض المسؤولين السياسيّين في المغرب، تمعن في تشويه صورة مجتمع الميم-عين+، وتفاقم التمييز ضد أفراده والتحريض عليهم.ن.
تَعرّض مجتمع الميم-عين+ بالمغرب في خلال جائحة كوفيد-19 لحملات تشهيرٍ شرسةٍ استهدَفت أفراده الذين يستخدمون تطبيقات المواعدة، ما تركهم.ن بلا حمايةٍ قانونيةٍ وعرضةً للخطر. ونتيجةً لهذه الحملات العنيفة، اضطرّ العديد من أفراد مجتمع الميم-عين+ لترك منازلهم.ن، ما فاقم التهديدات الصحية التي يواجهونها. فتغيّر المناخ وجائحة كوفيد-19 أثّرا على إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية بسبب التحدّيات البيئية المتزايدة، والضغوط الناجمة عن حجم الإصابات والقيود الصحّية المفروضة.
أيضًا، يعيش أفراد مجتمع الميم-عين+ في مناطق مختلفة، سواء ريفية أو حضرية، تحت سلطةٍ دينيةٍ وأبوية، مُقيّدين.ات بعاداتٍ وتقاليد لا تسمح بظهورهم.ن بحرّيةٍ خوفًا من العار والتمييز، ما يؤثّر سلبًا على حياتهم.ن. في المغرب، يُعتبر "الخروج من الخزانة" (coming out) - أو إشهار الهوية الجندرية والجنسانية - أمرًا أشبه بالانتحار الاجتماعي، إذ يؤثّر في العلاقات الاجتماعية والأسرية وفرص العمل. يقول أ.ب.، أحد أفراد مجتمع الميم والقاطن في مدينة وارزازات، إنّ التحدّيات التي يواجهها أفراد المجتمع بسبب التغيّرات المناخيّة في المنطقة، يجعل حياتهم.ن أكثر تعقيدًا نظرًا لاعتماد سكان المنطقة على المياه والزراعة مصدرًا أساسيًا للمعيشة. ومع هذه التغيّرات، يشهد أفراد الميم-عين+ زيادةً في اللوم والكراهية، حيث يعتقد البعض أن وجودهم.ن وزيادة ظهورهم.ن هو أحد أسباب تغيّر المناخ، ما يجعلهم.ن أكثر عرضةً للتمييز والإقصاء.
لا شكّ في أنّ تجربة الاغتراب والتجريم التي يعيشها مجتمع الميم-عين+ في شمال إفريقيا صعبةٌ ومؤلمة. ففي تلك البلدان، يتعرّض أفراد الميم-عين+ للتجريم والتمييز من قبل الحكومات، ما يؤثر سلبًا على حياتهم.ن وحقوقهم.ن. في تونس مثلًا، تعاقب المادة 230 من قانون العقوبات الممارسات المثلية بالسجن لمدّةٍ تصل إلى ثلاث سنوات. أمّا في المغرب، فتحظر المادة 489 من قانون العقوبات "الأعمال الفاحشة أو غير الطبيعية مع فردٍ من نفس الجنس" وتعاقب عليها بالسجن والغرامة.
تساهم تلك القوانين التجريمية بشكلٍ مُمنهجٍ في استبعاد مجتمع الميم-عين+ وجعل ولوجه إلى نظام العدالة صعبًا أو حتى مستحيلًا. في المغرب، يُعتبر أفراد مجتمع الميم-عين+ عامةً غرباء عن الثقافة والمجتمع. وقد تكون هذه الفكرة ناتجةً عن التأثير الاستعماري، حيث أنّ القوانين التي تجرِّم هذه الفئة مُستمدّة من القانون الفرنسي القديم الذي تبنّاه المغرب إبّان الاستعمار. وتساهم تلك القوانين في تعزيز العنف وغياب الحماية، كما تخلق شعورًا بالاغتراب والإقصاء.
في المناطق الزراعية في جنوب شرق المغرب، يعتمد الكثيرون على الزراعة مصدرًا رئيسًا للعيش.3 ومع ذلك، تواجه هذه المناطق تحدّياتٍ كبيرةً في توفير المياه اللازمة للزراعة، ما يعكس تفاقم تأثيرات التغيّر المناخي. فنقص المياه يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج على الفلّاحين، وبالتالي إلى زيادة أسعار المنتجات الزراعية وتراجع مبيعاتها، ما يساهم بدوره في تفاقم الفقر والهجرة.
بالنسبة لمجتمع الميم-عين+ في هذه المناطق، فإنّ نقص المياه اللازمة للزراعة يؤثّر بشكلٍ خاصٍ على سُبل العيش والاستقلالية المالية لهؤلاء الأفراد. إذ يجدون أنفسهم.ن عالقين.ات في دوّامةٍ من التمييز والاستبعاد، حيث يقيِّدهم.ن الوضع القائم ويمنعهم من الاستفادة من بعض فرص العمل والتنمية المجتمعية.
ومع ذلك، لا يقتصر التأثير السلبي للتغيّر المناخي ونقص الموارد المائية على مجتمع الميم-عين+ فحسب، بل يشمل أيضًا العديد من الفئات الأخرى في تلك المناطق. ويتسبّب هذا الوضع في زيادة نسبة الفقر والعجز وهشاشة الوضعَين الاقتصادي والاجتماعي.
وفي ظل غياب العدالة المناخية وعدم توفر فرص العمل المُستدامة، ينتج عن هذه التحدّيات زيادةً في معدلات النزوح والهجرة. ويجد الأفراد أنفسهم.ن بلا خيارٍ سوى ترك مناطقهم.ن الزراعية المتأثّرة والبحث عن فرصٍ أفضل في مناطق أخرى أو حتى خارج البلاد. وتُعتبر ظاهرة الهجرة نتيجةً لتفاعل التغيّر المناخي وانعدام العدالة المناخية وغياب فرص العمل المُستدامة. إنها استجابةٌ طبيعيةٌ لحافز البحث عن حياةٍ أفضل وفرصٍ أكبر للعيش والعمل.
عند وقوع أزمات، غالبًا ما يزداد عدد حوادث جرائم الكراهية والعنف ضدّ المجتمعات المُهمّشة. وعادةً ما يتعرّض أفراد مجتمع الميم-عين+ بالفعل لمخاطر أكبر مثل العنف والتمييز، ويمكن أن يتفاقم هذا الخطر في حالات الأزمات. وتُعتبر العدالة المناخية أحد أهم الجوانب التي يجب التركيز عليها في أوساط مجتمع الميم-عين+ والمجتمعات المحرومة الأخرى. لذلك، ينبغي أن تتخذ الحكومات والمؤسّسات الدولية إجراءاتٍ فعّالةً للتصدّي للتغيّرات المناخية والتخفيف من الآثار السلبية على هذه المجتمعات المُهمّشة.
تعزّز العدالة المناخية المساواة وتضمن توزيعًا عادلًا للأعباء والفوائد المُتعلّقة بالتغيّر المناخي. يجب أن تسعى الحكومات والمجتمع الدولي إلى توفير فرصٍ متساويةٍ للمجتمعات المُتضرّرة للمشاركة في صنع القرار، والوصول إلى الموارد والحصول على الدعم اللازم لمواجهة التحدّيات المناخية. كما يجب أن تكون أصوات ومصالح أفراد مجتمع الميم-عين+ وغيره من المجتمعات المُهمّشة جزءًا أساسيًا من الحوارات والمفاوضات المُتعلّقة بالتغيّر المناخي.
وعامّةً، ينبغي تعزيز الوعي والتثقيف بين صانعي.ات القرار السياسي والمجتمع المدني في شأن التغيّر المناخي وتأثيراته على مجتمعات الميم-عين+ وغيرها من المجتمعات المُهمّشة، ويشمل ذلك: تشجيع البحوث والدراسات المحلّية لتحقيق فهمٍ أفضل للتحدّيات والاحتياجات الخاصة بهذه المجتمعات وتطوير الحلول الملائمة؛ وتعزيز التعاون والشراكات المحلّية والدولية لتطوير القدرة التكيّفية والمرونة في أوساط مجتمع الميم-عين+؛ وتعزيز العدالة المناخية في العمليّات السياسية والتنموية.
- 1 Hanane El Asri, Abdelkader Larabi, and Mohamed Faouzi, “Assessment of Future Climate Trend Based on Multi-RCMs Models and Its Impact on Groundwater Recharge of the Mediterranean Coastal Aquifer of Ghis-Nekkor”, Morocco, 2022.
- 2 Shadi S. Saleh, “The path towards universal health coverage in the Arab uprising countries Tunisia, Egypt, Libya, and Yemen”, The Lancet, Volume 383, Issue 9914, 2014.
- 3يونس بوحافة، جواد الهوارى، عمر غضبان، عمر أشهبون، عثمان رحيمي، ومحمد الغاشي، "التغير المناخي وانعكاساته على المنتوجات المجالية بإقليم قلعة السراغنة: حالة منتوج الزيتون"، مختبر دينامية المشاهد، المخاطر والتراث، جامعة السلطان مولاي سليمان، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال-المغرب، 2023.
إضافة تعليق جديد