كان عمري 30 عامًا عندما أعلنتُ عن مثليتي الجنسية (came out) لمجموعة أشخاصٍ مقرّبين ومقرّباتٍ مني. كانت مراهقتي مرحلةً مليئةً بمشاعر لم أفهمها إلا بعد سنوات، ولم أجد أحدًا للحديث معه عنها. ومع أني استطعتُ في منتصف العشرينات من العمر تقبّل نفسي باختلافي الجنساني إثر قراءاتٍ ومشاهداتٍ موسّعة قمتُ بها، كنتُ أعلم أنّي لن أتخذ أي خطوةٍ في اتجاه عيش مثليتي. كنتُ أردّد في نفسي دائمًا: "رح آخد هادا السّر معي للقبر". لكن الزمن مرّ وشاءت الحياة أن يتقاطع دربي مع أشخاصٍ استطاعوا دعمي ومساعدتي في اعتناق مثليتي والمضيّ في عيشها من دون أن أخافها أو أكبتها. معهمن، تعرّفتُ إلى معنى الاحتضان أو تعبير (hold space) بالإنجليزية، أي أن نكون حاضرين وحاضراتٍ لدعم الأشخاص، وأن نتيح لهمن مساحةً آمنةً وداعمةً لاختبار مشاعرهمن ومشاركة أفكارهم وهمومه/ن أيًّا كانت، من دون إطلاق أيّ حكم عليهم/ن.
أشارككُن/م في ما يلي ما تعلّمته من هذه التجربة، وأحاول ممارسته مع من يلجأ إليّ من الأشخاص غير المعياريّين وغير المعياريّات.1
نتحدّث عن المثلية الجنسية بحرّية
كناشطٍ مجتمعي، أحاول دائمًا أن أطرح مواضيع مرتبطةً بالجنسانية والمثلية الجنسية في دوائري الصغيرة الشخصية والمهنية على حدّ سواء. وغالبًا ما يكون الأمر محاولةً مني لجسّ النبض لمعرفة مدى مأمونية هذه الدوائر. في معظم الأحيان، كنت أتجنّب أن يصفني الأشخاص بالمثلي لمجرد الحديث عن مواضيع مرتبطةٍ بالمثلية الجنسية، لأني كنت أدافع عن موضوعٍ وقضيةٍ من غير أن أسعى إلى الإعلان عن مثليتي. ساعدني هذا على تحديد المساحات الآمنة التي أستطيع التحدث فيها براحةٍ عن المثلية الجنسية، ما أتاح للأشخاص في هذه الدوائر أن يتفاعلوا مع مواضيع الجندر والجنسانية. كما اكتشفتُ أن الناس يسألون أحيانًا أسئلةً عرَضية، لكنهم/ن فعليًا يبحثون عن معلومةٍ ما، وقد يتشجّعون حتى على طلب التحدّث إليّ على انفراد لأنّهم/ن وجدوا مساحة مرحّبة وداعمة لمشاركة ما قد يشغل بالهم/ن.
في التأنّي السلامة
أحيانًا، قد يمارس الشخص الذي نلجأ إليه - عن قصدٍ أو عن غير قصد - ضغوطًا علينا كي نعلن عن مثليتنا، فيشاركنا عندها تجربته/ا كوسيلةٍ للتخفيف عنا، قائلًا: "ما أنا عملتها وكثير سهلة. روح إحكي لأهلك". لكن ظروفنا قد تختلف عن ظروفه/ها. والسّن ليس عاملًا حاسمًا على الإطلاق، فلا يهمّ كبر السّن أو صغره، لن نفيد أحدًا من خلال وصم العمر أو الجري وراء الشعارات الإيجابية (مثل "فيكي تعملي اللي بدك ياه" أو "فيك تعمل أي شي بتِنوي عليه"). لكلٍّ منا وضعه/ا وإيقاعه/ا الخاصّين به/ا، ولسنا مجبَرين على إعلان أيّ شيء إن لم نكن جاهزاتٍ لذلك. لا بأس أن نختار بعنايةٍ مَن نعهد إليه/ا بمثليتنا.
نراعي موازين القوى لناحية الانكشاف
من أهمّ ما يمكن أن نقدّمه لأشخاصٍ يتصارعون مع جنسانيتهن/م أو صحّتهم/ن الجنسية هو الاتصال الجسدي عندما نرى أنّهم قد يحتاجونه، مثل العناق. لكن حريٌّ بنا أن نطلب موافقتهمن قبل معانقتهم/ن. فغالبًا ما ننسى أن مَن أمامنا شخصٌ في حالةٍ من الانكشاف والهشاشة القصوى. هنا، نكون نحن في موقعٍ أقوى لأننا لسنا منكشِفين/ات بالقدر ذاته. لذا، عندما نطلب الموافقة قبل المعانقة، نعيدُ له أو لها السلطة على جسده/ا والقوة لقَبول العناق أو رفضه.
نستمع بدل أن نقدّم الحلول
أحيانًا، نسعى فطريًا إلى تقديم الحلول عندما نرى الأشخاص يتألّمون أو يمرّون في ظروفٍ صعبة. وما من شكٍّ أن الحديث عن أمورٍ مرتبطةٍ بالجسد والجنس والجنسانية ليسَ بالأمر السهل في مجتمعٍ يعتبر هذه القضايا تابوهات. لكن في هذه الحالة، الحلول ليسَت مهمّة. فعلى الأرجح، الشخص الذي يشاركنا همومه لا يبحث عن حلّ بالتحديد، بل عمّن يستمع إليه/ا. فلنجالسه/ا إذًا، ولنستمع إليه/ا من دون أيّ أحكام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الرسومات للينا مرهج
- 1أشخاص لا تتوافق جنسانيتهم و/أو سلوكياتهم أو تعابيرهن الجندرية مع المعايير السائدة في المجتمع والمرتبطة بالجندر والجنسانية.
إضافة تعليق جديد