بدأتُ رحلة اكتشافي جسدَ الآخر المُختلف بأخي الذي يكبرني بسبع سنوات. كنّا ننام في غُرفة واحدة، ولم أكن أحسّ بفرق بين جسدَينا إلى أن اكتشفتُ عضوه الذكريّ. أذكر تلك الليلة جيّدًا، فقد كان نائمًا في السرير المجاور لسريري مُرتديًا لباسه الداخليّ القصير. كان يُحرّك ساقَيه يمنة ويسرة ويفتحُهما في شكل مُثلّثٍ من شدّة الحرارة. في الصيف، تتصبّب أجسادنا الصغيرة عرقًا ولا يُمكننا النوم مُتّخذين وضع الجنين مثلما نفعل في الشتاء بحثًا عن الدفء، بل ننام وكلّ طرفٍ من أطرافنا في اتّجاه، مفسحين المجال لنسمات الهواء النادرة كي تُنعشنا قليلًا. أفقتُ في تلك الليلة من شدّة الحرّ والتفتّ إلى أخي كي أطمئنّ إلى أنّي لم أزعجه، فلاحظتُ ذلك الشيء الغريب الذي يُطلّ من سرواله ويتدلّى على فخذَيه. كانت صدمةً كُبرى بالنسبة لطفلةٍ مثلي، وبقيتُ أتساءل لماذا لا أملك هذا الشيء الرّخو تحت تبّاني.
لم أستطع كتم فضولي وإخراس الأسئلة الكثيرة التي أخذت تدور في رأسي، وبكلّ براءة الطفولة، أخبرتُ أمّي عن اكتشافي العظيم قائلة: "هناك شيءٌ غريبٌ في سروال أخي". أجابتني بجُملٍ غير مفهومةٍ ولم تكلّف نفسها عناء التفسير لطفلةٍ تبلغ من العمر ستّ سنواتٍ فقط. في الليل، سمعتُها تروي لأبي ما حصل وهما يضحكان. وبفطرة الطفلة، أدركتُ أنه ليس أمرًا خطيرًا طالما أنّ هناك ضحكٌ ونكاتٌ عن الموضوع. لم تُشبع إجابات أمّي المُبهمة فضولي، لذلك لم أتوقّف عن التفكير في الأمر وأصبحتُ أراقب ذلك المكان الغامض بين فخذَي كلّ رجلٍ أراه. أتفحّصهم مليًا لفهم ما يوجد وراء تلك التكتّلات الظاهرة.
في الحقيقة، الموقف الذي مررتُ به مع أخي لا يُعتبر صدمةً بمفهومها العلميّ. لم يكن هناك اغتصابٌ ولا تحرّشٌ ولا اعتداءٌ جنسيّ قد أعيش بسببه في دوّامة التروما والرفض. كان أقرب ما يكون لبداية تعارف مسالمةٍ وعفويّةٍ مع جسد الآخر. لكن ما حدث لي بعد ذلك هو الصدمة بعينها.
كنتُ في زيارةٍ لأبناء خالي، وكان شقيقهم من الأم حاضرًا هناك. ببراءة، طلبتُ منه كأس ماءٍ فأخبرني بوجود عطلٍ في صنبور المطبخ، وأنّ بإمكاني استخدام صنبور الحمّام بدلًا منه. رافقني إلى الحمام، وما أن لامس الماء البارد شفتيّ حتى شعرتُ بشيءٍ صلبٍ ينغرس في مؤخرتي.
استدرتُ سريعًا، وكان ذاك التعارفُ الأول. تعارفٌ ممزوجٌ بصدمةٍ وخوفٍ ورعبٍ وتقزز؛ فهذا عضوٌ ذكري لشابٍ في الخامسة والعشرين، ناضجٌ ومنتصبٌ وموجهٌ نحوي وأنا لم أتجاوز بعد ثماني سنواتٍ من العمر.
منذ ذلك الوقت، ظلّ شكل القضيب في ذهني مرتبطًا بالتقزّز والنفور، لكن جزءًا مني بقي محتفظًا بفضولٍ كبيرٍ تجاه جسد الأخر. وكلما نضجتُ وزادت الهرمونات في جسدي، تحوّل ذلك الفضول إلى رغبةٍ مُرتبكةٍ لارتباطها بشعوري الدّائم بالاشمئزاز. بقيتُ لفترةٍ طويلةٍ أتأرجح بين الرغبة والنفور، وحاولتُ التخلّص من هذه المشاعر المُتناقضة عبر جلسات العلاج النفسيّ.
مثل كلّ مواليد الثمانينات، عشتُ طفولتي ومراهقتي من دون إنترنت. كنّا نكتسب الخبرات والمعلومات من الواقع فقط. وكان الرجال المُتحرّشون والمهووسون بعرض أعضائهم على الفتيات والنساء في الفضاء العام بمثابة شبحٍ يُطاردنا أينما ذهبنا. أولئك المتحرّشون يُشبهون مُتحرّشي اليوم الذين نتلقى رسائلهم وصوَر قضبانهم في رسائل الـ"others". لكن وقتذاك، كانت الشوارع المظلمة المجاورة لمدارس البنات المراهقات هي رسائل الـ"others"! إلى اليوم، لا أستطيع أن أنسى سائق الشاحنة الزرقاء الصغيرة الذي كان يرابط أمام المدرسة بغية عرض قضيبه على الفتيات. كان عضوه المُنتصب جزءًا من ذكريات عامي الأول في الثانوية العامة. عندما كنتُ أرى السيارة من بعيد، كانت تنقبض أمعائي وأعود أدراجي باحثةً عن طريقٍ أخرى لدخول المدرسة، غير مُباليةٍ بالوقت.
مرّت تلك الأيّام لكنّها تركَت في حلقي غصّة. كبرتُ، وتعلّمتُ وصرتُ أعمل منسّقةً إعلاميّةً لمشروعٍ عن التحرّش داخل الأسرة تابعٍ لمنظمة المرأة الجديدة في مصر؛ فأُتيحَت لي فرصة التحدّث إلى العديد من النساء. لاحظتُ أنّ أغلبهنّ شاهَدن القضيب لأوّل مرّةٍ لدى رؤية الأب أو الأخ أو أحد الأقارب صدفةً، لكنّ البعض منهنّ رأينَه نتيجة تعمّد الطرف الآخر إظهار قضيبه لهنّ عندما كنّ طفلاتٍ أو مراهقات. بطبيعة الحال، لم تتجرّأ أيّ منهنّ على الحديث عن هذه المسائل أمام الأهل. أغلب النساء اللّاتي التقيتُ بهنّ وتحدّثتُ إليهنّ مطوّلًا "تعرّفن" إلى القضيب في سياق تعرّضهنّ للتحرّش، لا رغبةً منهنّ في اكتشاف جسد الآخر.
تربّينا في مجتمعاتٍ ذكوريّةٍ تقتل وتغتصب وتتحرّش ولا تحترم حرماتنا الجسديّة. تربّينا خائفاتٍ من الجنس ومن المتعة
كنتُ وما زلتُ أغضب من أخي الذي يسمح لنفسه بالقيام بأيّ شيءٍ والتصرّف بحريّةٍ فقط لأنّه يملك قضيبًا - أو بعض "الزوائد الجلديّة" كما أسمّيها. صفعَتني أمّي مرّةً على وجهي لأنّي أشرتُ إلى قضيب أخي بيدي وقلتُ لها بأن لا فرق بيني وبينه، وبأنّه لا يُمكن لذاك العضو أن يتحوّل إلى سلطةٍ ضدّي تُقيّدني وتسلبني إرادتي وحرّيتي. كلّما تقدّمتُ في العمر، ودخلتُ في علاقاتٍ عاطفيةٍ وعملتُ في أماكن مختلفة، وجدتُ القضيب يفرض نفسه ووجوده في أيّ موقف، فشريك حياتي يمنح نفسه تلقائيًا صلاحياتٍ لا أملك مثلها. يتدخّل في حياتي ويتّخذ القرارات رغم أنّي أذكى، وأنجح وأجني مالًا أكثر منه. لكن كيف يصمد المال والنجاح والذكاء أمام هذا العضو الذي أصبح له شخصيةً معنويةً تمنح صاحبه معظم ما يريد في الحياة؟!
تربّينا في مجتمعاتٍ ذكوريّةٍ تقتل وتغتصب وتتحرّش ولا تحترم حرماتنا الجسديّة. تربّينا خائفاتٍ من الجنس ومن المتعة. تربّينا مع إحساسٍ بالعار تجاه أجسادنا، أكبر من إحساس الحبّ والتقبّل. في المقابل، يشعر الذكور بالفخر تجاه قضبانهم الفحلة. هو الشعور بالاستحقاق، وبأنّهم أسياد الأرض وملوك العالم. كيف سنتحرّر من الخوف، أو على الأقلّ كيف يُمكننا تحرير طفلاتنا الصغيرات من هذا الشعور الثقيل؟
إنّ إدراج مادّة التربية الجنسيّة في المناهج التربويّة الرسميّة حلٌّ عاجلٌ وضروري، حتّى يفهم الأطفال والطفلاتُ بأنّ الأعضاء الجنسيّة - كأيّ عضوٍ آخر - يجب ألّا نخجل منها أو نرهبها. لماذا ندرس الرسوم التشريحيّة للأجهزة التناسليّة في المدرسة الإعداديّة فقط؟ ألا نتعرّف إلى جسد الآخر في حياتنا اليوميّة قبل ذلك بكثير؟ إلى متى ستظلّ المناهج لا تُحاكي الواقع والتطوّرات والدراسات الجندريّة الحديثة؟ إلى متى سيظلّ الآباء يرفضون تدريس التربية الجنسيّة في المدارس؟ إلى متى سنظلّ محكوماتٍ بالفكر الذكوريّ؟
إضافة تعليق جديد