تسبب قانون تجريم العنف ضد المرأة في الجزائر بموجة من الجدل بين ترحيب ومعارضة.
"كان يضربني لأي سبب، تقريبا كل يوم وبأي شيء يجده أمامه ولا يكترث إن أصاب وجهي أم أي مكان آخر حساس في جسدي، وأنا لا حول لي ولا قوة، احتملت كل سوء المعاملة منه من أجل أولادي" تقول سامية أم لثلاثة أبناء من مدينة وهران غرب الجزائر.
"تعرّضت للعنف من زوجي لمدة ثلاث سنوات، وفي نهاية كل شهر كان يطلب مني اعطاؤه راتبي كاملا، وحين أرفض أو أحاول أن أناقش معه الأمر كان يضربني ضربا مبرحا" تقول خديجة، أم لتوأم وأستاذة في احدى ثانويات مدينة تلمسان بالجزائر.
تعاني سامية وخديجة وكثيرات من النساء الجزائريات من العنف الأسري. فبالرغم من المجهودات التي قامت بها الحكومة الجزائرية في سنّ قوانين لحماية المرأة من العنف الاسري والزوجي خاصة، ماديا كان أم معنويا، أم جسديا الا أن النسب المسجلة من طرف المديرية العامة للأمن الوطني تبيّن أن الظاهرة في تزايد مستمر بحيث بلغت عدد الحالات المسجلة في السنة الماضية فقط ما يزيد عن 7900 حالة عنف تعرّضت لها النساء عبر مختلف ولايات الجزائر. وأكثر من 50 بالمئة منها هي حالات عنف أسري. كما كشفت آخر دراسة قامت بها وزارة التضامن الوطني و الأسرة و قضايا المرأة، في 2006 بأن 9.4 بالمئة من النساء الجزائريات ما بين 19 و 64 سنة تعرّضن لعنف جسدي بكثرة وغالبا بصفة يومية.
مواد قانون تحمي المرأة
في ديسمبر 2015، تم تعديل قانون العقوبات رقم 19-15 ليتم تجريم العنف ضد المرأة بصفة عامة والأسري بصفة خاصة وتشديد العقوبة على مرتكبيه، بحيث نصّت المواد الجديدة والمعدّلة على معاقبة مرتكبيها بالسجن من ستة أشهر الى سنتين لكل من يمارس على زوجته أي شكل من أشكال الإكراه أو التخويف ليتصرّف في ممتلكاتها أو مواردها المالية، وبالحبس من سنة الى ثلاث سنوات ان لم ينتج عن الضرب أو الجرح أي مرض أو عجز يفوق 15 يوما، وبالحبس من سنتين الى خمس سنوات إذا نشأ عجز كلّي لمدة تزيد عن 15 يوما، وبالسجن من 10 الى 20 سنة إذا أدى الضرب والجرح إلى فقد أو بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد البصر في كلتا العينين أو واحدة منهما. أما في حالة وفاة الضحية من الضرب المتعمد حتى لو دون قصد فالعقوبة هي السجن المؤبّد. وللمرة الأولى تم ادراج التحرش الجنسي ضمن قانون العقوبات، بحيث يسجن ما بين شهرين الى ستة أشهر كل من ضايق امرأة في مكان عمومي أو مكان العمل بكل فعل أو قول او إشارة تخدش حياءها.
ولا يستفيد الفاعل من تخفيفات للحكم حتى إن كانت الزوجة حاملا أو معوّقة إلا أن القانون وضع صفح الضحية كحد للمتابعة القانونية ضد الفاعل.
جدل بين مرحّب ومعارض
تسبب هذا القانون في انطلاق موجة من الجدل في وسط الشارع الجزائري وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بين مرحب به ومعارض له، فحين اعتبره البعض انتصارا بعد نضال طويل للمرأة الجزائرية في سبيل حقوقها فقد اعتبره الآخرون تدخلا في العلاقات الزوجية وحدا لحرّية الرجل. وقد صرح وزير العدل الجزائري الطيب لوح بأن "هذا القانون جاء ليدافع عن استقلالية الذمة المالية للمرأة الجزائرية من العنف الاقتصادي بالاعتداء على مالها بالإكراه والضغط".
ورحّبت آمال التي تبلغ من العمر 34 سنة متزوّجة وأم لثلاثة أطفال بالقانون قائلة "هذا القانون يحمي المرأة من العنف، فكثيرا ما تعنّف النساء في الجزائر". كما توجهت سارة والتي تعمل كموظفة في احدى الشركات الى القول إن القانون يساعد على ادماج المرأة في المجتمع وتعزيز مكانتها أكثر لأن المرأة تعاني من شتى أنواع العنف والظاهرة صارت وباءا. وتابعت "أنا ضحية عنف أسري، عندما كنت في بيت أهلي كان اخي الأكبر يضربني لأتفه الأسباب وليس لي أي حق في الكلام أو الدفاع عن نفسي، أرى أن هذا القانون يشجّع المرأة على رفع الإهانة والعنف".
ومن جانب آخر، يرى نور الدين، متزوّج وأب لأربعة أطفال أن هذا القانون مناف للأعراف والتقاليد ويقول "المرأة تبقى امرأة ولن تتساوى مع الرجل مهما فعلت" ويتابع "في رأيي هذا القانون قد زاد فقط من نسبة العنوسة" فيما يرى جمال، طالب جامعي بأن "القضية هي قضية تربية والنظرة الدونية للمرأة في مجتمعنا الجزائري وأن هذا القانون وظيفته تربية الرجال".
هل نجح هذا القانون في حماية النساء؟
حسب الدراسة التي قامت بها منظمة هيومن رايتس واتش المعنونة بمصيرك البقاء معه‘: تعامل الدولة مع العنف الأسري في الجزائر فان الناجيات من العنف الاسري يواجهن عقبات عديدة من أجل تحقيق العدالة والإحساس بالأمان الشخصي، بما في ذلك الضغط الاجتماعي من الأقارب والأهل بصفة خاصة للحفاظ على زواجهن حتى وان كانت إصابتهن خطيرة ووضع زواجهن لا يطاق. وحتى من طرف الشرطة التي تنصحهم بالصلح متجاهلين الأحكام القانونية التي تجرّم الإساءة. وبسبب هذا الوضع تستسلم كثير من النساء للوضع وتتقبّلن الإهانة.
ويشير نفس التقرير الى عدة حالات قوبلت بها النساء بالرفض من طرف الشرطة ومنها حسناء ذات 31 سنة وهي أم لأربعة أطفال بحيث تقول بأن زوجها كان يضربها بشدة حتى لما كانت حاملا ففي أحد المرّات ذهبت بلباس النوم الى مركز الشرطة فقال لها الشرطي أن هذه المسألة عائلية ولم يتخذ أي اجراء ونصحها بالذهاب الى أحد الشيوخ لتهدئة الأمور.
في أغلب الحالات لا تتعامل الشرطة مع القضية بشكل مناسب
ويفيد التقرير بأنّه حتى عندما ترفع النساء دعوى قضائية ضد الزوج الا أنه في أغلب الحالات لا تتعامل الشرطة مع القضية بشكل مناسب بحيث لا تجرى تحقيقات في الموقع ولا تستجوب الشهود وتصدق رواية الزوج في أغلب الأحيان. وغالبا ما تجد ضحايا العنف الأسري أنفسهن عرضة لمزيد من سوء المعاملة بحيث يقول أحمد بن شمسي مدير التواصل والمرافقة بهيومن رايتس واتش بقسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا بأن "القانون الحالي لا يعطي أي مساعدة ملموسة للضحايا ابتداء من مراكز الاستقبال ومن الصعب على المرأة أن تعيش بأمان بعد تركها للمعتدي".
فلما تقرر النساء الابتعاد عن أزواجهن المعتدين، لا تتوفر لهن أماكن يلجأن اليها، في حين ينبغي أن يكون هناك ملاجئ تأويهن وتحميهن فحسب نفس التقرير لا يوجد الا 3 مراكز إيواء في كل الجزائر متخصصة في مساعدة ضحايا العنف تديرها الحكومة وبعض المراكز الخاصة تديرها منظمات إنسانية غير حكومية لا تتلقى أي دعم من طرف الدولة.
كما وثّقت هيومن رايتش وتش حالات عديدة ومتفاوتة الشدّة لعنف جسدي ولفظي، بحيث روت نساء حالات قام بها المعتدون بكسر أسنانهن وأضلعهن وضربهن بالأحزمة وأشياء أخرى متسببين لهن بارتجاجات في الدماغ وكسور في الجمجمة. وما يزيد الطين بلة، هو عدم قدرة الناجيات من تغيير وضعهن ليس فقط لتبعيتهن المادية للجناة وإنما أيضا بسبب الحواجز الاجتماعية والضغط عليهن لتجنب الوصم والعار إذا ما اشتكت المرأة من سوء المعاملة وغادرت بيت الزوجية
هل القانون كاف؟
حسب نفس الدراسة وبالنظر الى الواقع فإن الدولة الجزائرية فشلت في منع العنف الأسري وحماية الضحايا وانشاء نظام شامل لمحاسبة الجناة، وتقديم خدمات تسهّل حياة الناجيات ومساعدتهن نفسيا ومعنويا وماديا، ونقص تدابير الوقاية من العنف الأسري بحيث يجب أن تشمل المجتمع من حذافيره، كتعديل المناهج التعليمية والغاء أنماط وسلوكيات اجتماعية تمييزية والقضاء على التنميط الجنساني المهين.
واعتبرت وزيرة التضامن الاجتماعي والأسرة وقضايا المرأة بأن القوانين ليست كافية ووجب اشراك المجتمع برمّته والجمعيات ونخبة المفكرين ووسائل الاعلام من أجل تعريف المرأة بحقوقها.
هناك ثغرات كثيرة في التعديل الأخير لقانون العقوبات
كما أن هناك ثغرات كثيرة في التعديل الأخير لقانون العقوبات 2015، بحيث يمكن للمعتدي التهرّب من العقوبة أو الحصول على حكم مخفّف في حال سامحته الضحيّة وهذا ما يضع المرأة أمام ضغوط اجتماعية كبيرة وقد تتعرّض للاضطهاد أكثر حتى من طرف عائلتها من أجل المسامحة والعدول عن شكواها. ولهذا دعت الكثير من الجمعيات التي تدافع عن حقوق المرأة في الجزائر بإلغاء هذه المادة من القانون لأنها تضطر المرأة بالتراجع عن شكواها. في حين يقول وزير العدل الجزائري بأن مبدأ الصفح هو أحد قيم ومبادىْ المجتمع الجزائري.
كما يعتمد القانون حسب نفس الدراسة على تقييم خطورة العجز الجسدي من أجل تحديد درجة العقوبة مع عدم إعطاء أيّة توجيهات للأطباء الشرعيين عن كيفية تحديد العجز في هكذا قضايا. كما يتجاهل نص القانون أن يكون الأذى ناجما عن الضرب المتكرر والذي من غير الممكن الوصول اليه عبر تشخيص شرعي واحد. وهنا يجب الإشارة الى حسيبة والتي أصيبت بشلل في ذراعها ورجلها اليسريتين وذلك بعد أن ضربها زوجها بكرسي على رأسها مما سبب لها إصابة في الدماغ أدت لهذا الشّلل لكن حكمت عليه المحكمة بالسجن لشهرين فقط وغرامة قدرها 73 دولار بدل السجن من 10 الى 20 سنة كما ينص القانون لأنه تسبب لها بإعاقة دائمة وهذا لان الطبيب الشرعي قيّم اصابتها ب 13 يوم راحة.
وفي هذا الصدد، تقول فطيمة، أستاذة ثانوية متقاعدة من تلمسان بأن "حقوق المرأة مهضومة في الجزائر وأغلبية النساء لا محل لهن من الاعراب، بحكم المعتقدات التي من الصعب أن تمحوها القوانين ويجب التخلص من هذه العقليات فمجتمعنا ذكوري بكافة المقاييس" ويضيف أحمد بن شمسي "يجب على الدولة القيام بحملات تحسيسية لتغيير الذهنيات".
إضافة تعليق جديد