صُنِّف المغرب في تقرير التقييم الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغيّر المناخ التابع للأمم المتّحدة بلدًا سريع التأثّر بالتغيّر المناخي، فهو يشهد منذ ستينات القرن العشرين ارتفاعًا في متوسّط درجات الحرارة وموجات الحرّ، وتقلّبًا في وتيرة هطول الأمطار وغزارتها، ما يتسبّب بفيضاناتٍ وارتفاع مستوى سطح البحر. تظهر غالبية هذه التغيّرات في المناطق القروية التي تعتاش من الزراعة، ما ينعكس على المنتج الزراعي والعاملين في هذا القطاع، وفي مقدّمتهم النساء، إذ يهدّد التغيّر المناخي حياتهنّ كعاملاتٍ في القطاع الزراعي المتضرّر، ويضع مصدر رزقهنّ في خطر.
في الواقع، يبلغ عدد النساء القرويّات نحو 6,5 ملايين نسمة، أي ما يعادل 49,2% من سكّان القرى، ويساهم أكثر من 90% منهنّ في الأنشطة الزراعية وشبه الزراعية ويعتمدن عليها لتأمين عيشهنّ. ويُجدِّد المغرب التزامه بتحسين وضع النساء سنويًا في مناسبة اليوم العالمي للمرأة القروية، ويعد بفتح فرصٍ أكبر أمامهن، لكن لا تزال ظروفهنّ صعبة، لا بل تزداد صعوبة، إذ يعيش حوالي 9,5% منهن في فقرٍ، وترتفع نسبة الأمية بينهنّ لتصل إلى 42%، بحسب آخر إحصاءٍ أُجرِي في عام 2014. وتدفعهنّ هذه الأوضاع الهشّة نحو العمل الزراعي أكثر كخيارٍ لا بديل عنه، وهو ما يزيد وضعهنّ المادي سوءًا، أولًا لأنّ 70,5% منهنّ يعملن في ظروفٍ شبيهةٍ بالعبودية ولا يحصلن على أيّ أجر، وثانيًا، لتأثّر هذا القطاع بتغيّر المناخ ما يهدّد بقطع سبُل العيش عنهنّ.
عملت النساء القرويات لعقودٍ من دون الحصول على بدلٍ مادي، إلى أن بدأ انتشار التعاونيّات ومفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني منذ عام 1995
لطالما شكّلت النساء المغربيات العمود الفقري للنشاط الفلاحي في المغرب، فهنّ يغرسن، ويُسمدن التربة، ويُزلن الأعشاب الضارّة، ويحصدن ويحملن الحصاد إلى البيت. وعملت النساء القرويات لعقودٍ من دون الحصول على بدلٍ مادي، إلى أن بدأ انتشار التعاونيّات ومفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني منذ عام 1995، إذ شجّعَت الدولة المغربية على إنشاء التعاونيات النسوية كوسيلةٍ لمنحهنّ فرصةً للاستقلال المالي، وتقليص فجوة اللامساواة بين الجنسَين في القرى، في محاولةٍ لدعم المرأة القروية.
تزايدَ عدد التعاونيات النسوية في العقدَين الماضيَين، في القطاعين الفلاحي والحرفي. وثمة 2,600 تعاونية من إجمالي التعاونيات تضمّ نساءً فقط، وهو ما يمثّل 14% من مجمل عدد التعاونيات، ومن ضمنها 878 تعاونية فلاحية موزّعة على مختلف جهات المغرب، وهي تتخصّص في تثمين النباتات والحبوب والثمار المعروفة في المنطقة التي يمارَس فيها العمل الفلاحي. ففي الشمال نجد الخزامى والأزير، وفي الجنوب نجد الأركان والورد. تنتج غالبية هذه التعاونيات مواد تستعملها النساء للعناية بالبشرة والشعر على الرغم من التحدّيات المناخية التي ترافق عملية إنتاجها.
تقول حفصة، مؤسّسة تعاونية "نوارة عين الحجر" لتثمين النباتات العطرية والطبّية ببن قريش، قرب مدينة تطوان: "أسّستُ التعاونية بعد دراسةٍ معمّقةٍ من أجل الحفاظ على النباتات التي تنبُت في المنطقة، وجلبتُ نباتاتٍ تتأقلم مع تربة المنطقة ومناخها الذي تغيّر كثيرًا منذ أنشأتُ التعاونية قبل 15 سنة".
تعمل زكية في تعاونية "نوارة عين الحجر" منذ أربع سنوات، وهي أمٌّ مُطلّقة لطفلَين. تبتسم زكية على الرغم من شمس الخريف التي تتوهّج فوق رأسها وهي تقطع من الأرض نبات الأزير، المعروف بإكليل الجبل. بعد قطعه، تغسله وتُدخله إلى النشّافات التي تعمل بالطاقة الشمسية. سألتُ زكية، لماذا اخترتِ هذا العمل؟ فأجابت: "أحتاج إلى هذا العمل الذي لا أجيد غيره لأَفي احتياجات ابني". بدا واضحًا من إجابتها التأثيرُ المحتمل الذي قد يُلحقه التغيّر المناخي بحياتها. ففقدانها العمل في التعاونية إذا ما عجزَت عن الاستمرار بسبب تغيّر المناخ سيُفقدها مصدر دخلها الوحيد.
في هذا السياق، تصف حفصة تداعيات التغيّر المناخي: "نعيش على إيقاع التغيّر المناخي يوميًا وفي كلّ موسم. نلحظ تفاصيله بسهولة، إذ لا يحتاج الأمر لشرح. تغيّر مناخ العام الماضي عن العام الذي قبله، وبدورهما تغيّرا عن مناخ هذا العام. مثلًا، نضجَت ثمار الزيتون هذه السنة قبل وقتها المعتاد".
تحاول الحكومة المغربية من خلال وزاراتها ومؤسّساتها أن ترافق مجتمع التعاونيات عبر برامج دعمٍ ومواكبة. وبما أن مخاطر المناخ تتسبّب بخسائر كبيرة، طوّرَت وزارة الفلاحة برنامج تأمينٍ مناخي مُتعدّد المخاطر، يعزّز مرونة الفلاحة ويمتّنها في مواجهة التغيّرات المناخية التي تتسبّب في خسارة المحاصيل. مع ذلك، تبقى هذه المحاولات غير كافيةٍ لإنقاذ النساء العاملات في المزارع والحقول من تغيّر المناخ، إذ يعانين من غياب العدالة المناخية الناجمة عن وضعيّتهن الاجتماعية-القبلية، ما يدفعهنّ نحو خياراتٍ فرديّةٍ للمقاومة.
تحكي حفصة عن الاستجابة لتغيّر المناخ والتعامل مع التحدّيات التي يطرحها: "من أجل استدامة الإنتاج في التعاونية، توجّب علينا إيجاد حلولٍ عمليةٍ لمواجهة التغيّرات المناخية، ومن ثمّ تفعيلها في سلسلة إنتاجنا. فما اعتادَت عليه النباتات من وفرة ريّ في السابق، لم يعد متوفرًا الآن بسبب قلّة الأمطار. نحاول جعلها تتأقلم مع هذا النقص وتعويدها على كمّية ريّ أقل، كما نحاول الاعتماد على الطاقة المُتجدّدة مثل الألواح الشمسية في تجفيف النباتات، وزرع بعض الأعشاب التي تُستخدم موادّ معالِجةً في عملية الإنتاج".
كافحَت فاطمة كثيرًا لتأسيس تعاونية "أغصان تطوان" التي تُشغّل نساءً من دوّار مشروحة-الزرقاء قرب تطوان. لم يكن إيجاد مقر للتعاونية بالأمر السهل، إذ ظلت فاطمة لأكثر من أربع سنوات تشغل مقرًا صغيرًا لبيع المنتجات، بينما كانت عملية الإنتاج تتم في مقر تعاونية أخرى. اضطرت فاطمة الاقتراض من البنك لشراء أرض زراعية وبناء المقر بجوارها، لتستطيع نيل الدعم الذي تقدمه وزارة الفلاحة للتعاونيات.
استقبلَتني فاطمة في التعاونية، وكانت تعتمر قبّعتها المعروفة بالشّاشية الجبلية المصنوعة من القشّ، وأعطَتني أخرى لأعتمرها، فالريح عاتيةٌ في تلك المنطقة. خرجنا إلى الأرض معًا لقطف بعض زهور الخزامى. "هذا ما تركَته الريح"، قالت فاطمة.
أمسكَت فاطمة بشتلة الألوفيرا - صنفٌ من أصناف الصبار - وشرحَت: "لا تنتمي الألوفيرا لمنطقتنا فلاحيًا، ولكنّنا جرّبنا زراعتها استعدادًا للمقبل من أيام. فهي نبتةٌ تصبر على ندرة الماء. نحن في نهاية أيلول/سبتمبر وعلى أبواب تشرين الأول/أكتوبر، ولم يسقط المطر إلّا مرّاتٍ معدودة، ولفتراتٍ زمنيةٍ قصيرةٍ جدًّا".
تُريني فاطمة الفرق بين الشتلة التي لا تزال خضراء، والألوفيرا التي تعرّضَت لحرارةٍ ورطوبةٍ مرتفعةٍ تزيد عن 90% فانقلبَت صفراء. أنظر إلى النبتة، ثم أتأمّل في كفاح فاطمة وغيرها من النساء ضدّ قساوة المناخ وتغيّره كي يُنتجن لنا مواد عنايةٍ طبيعيةٍ وصحّية.
المخاطر الناجمة عن تغيّر المناخ كبيرةٌ ومتشعّبة، وتهدّد حيواتٍ بكاملها. وفي حين أنّ المبادرات الرسمية المغربية للمشاركة في تقليل الانبعاثات وخفض التلوّث العالمي لا تزال متعثّرة، تكثر المبادرات غير الرسمية. إذ يرصد التقرير الصادر مؤخرًا عن منظمة الأمم المتّحدة للتغيّر المناخي أن استجابة النساء لهذه التغيّرات وإيجاد الحلول وتفعيلها حاسمٌ إذا ما تمّ تمكينهنّ من الوصول إلى مراكز صنع القرار. ولعلّ هذا ما تحتاجه النساء في المغرب ومختلف أنحاء العالم للمساهمة في التصدّي لتغيّر المناخ.
_________________________________
ملاحظة: تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع مؤسسة هينرش بُل، مكتب المغرب. الآراء الواردة هنا تعبر عن رأي المؤلفة وبالتالي لا تعكس بالضرورة وجهة نظر المؤسسة.
إضافة تعليق جديد