netflix love is blind in Arabic

"الحب أعمى، حبيبي": تلفزيون تطهير الواقع من السياسة

بلقطةٍ جوية واسعة لمدينة دبي، وبمقدّمةٍ من الإعلاميَّيْن الزوجين خالد صقر وإلهام علي، انطلق برنامج الواقع "الحب أعمى، حبيبي".

في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2024 أصدرت نتفليكس النسخة العربيّة من Love is Blind، وهو برنامج واقعي عالمي قدّمته الشبكة بنُسخ أميركية وبريطانية وفرنسية ويابانية ومكسيكية وغيرها. تصف نتفليكس البرنامج بأنه "تجربة اجتماعية" يتعرّف خلالها عشرة شبّان وعشر شابّات -من المقيمين/ات في الإمارات العربيّة المتحدة- إلى بعضهم/ن البعض ويرتبطون/ن دون أن يلتقوا/ين وجهًا لوجه.

ينقسم البرنامج إلى ثلاث مراحل موزّعة على تسع حلقات، وتُخصَّص الحلقة العاشرة لـ"لمّ الشمل"، حيث يجتمع المشتركون والمشتركات بعد عامٍ من خوضهم/ن التجربة.

في المرحلة الأولى يلتقي المشاركون والمشاركات في غرف تعارف معزولة، لخوض حوارات واكتشاف شخصيات بعضهم/ن واهتماماتهم/ن إلى أن يختار كلٌّ شخص شريكه/ته. ومع تقدّم المحادثات وظهور التوافق بين بعض الثنائيات ينتقلون إلى المرحلة التالية، حيث يلتقون وجهًا لوجه للمرة الأولى ويتقدّم الشاب بطلب الزواج من الشابة.

في المرحلة الثانية تسافر الثنائيات إلى جزيرة لقضاء الووقت معًا والتعرّف عن قرب، ثم ومع حدوث التوافق يبدأ التحضير لحفل الزفاف. أمّا المرحلة الأخيرة وهي يوم الزفاف، فيواجه الشريكان قرارهما النهائي: البعض يختار الزواج فعلًا، بينما يقرّر آخرون التراجع في اللحظة الأخيرة.

تبدو فكرة البرنامج للوهلة الأولى غريبة ومعاصرة، وإن كانت في جوهرها تحاكي مفهوم الزواج التقليدي خاصةً ضمن الإطار المحافظ الذي تتبعه نتفليكس في إنتاجه، فهو رغم تصنيفه كبرنامج واقعٍ ترفيهي فنّه يحمل في طيّاته دلالات سياسية تعكس تعقيدات علاقات الإنتاج والجندر.
 

نتفليكس والعادات والتقاليد

يتمسّك "الحب أعمى، حبيبي" بالعادات والتقاليد والثقافة العربية المُحافظة، بأسلوب يبدو أحيانًا مصطنعًا ومبالغًا فيه، خاصة أن نتفليكس عمدت إلى تعديل بعض تفاصيل البرنامج ليبدو أكثر محافظة، مع التشديد على الفصل الجندري ومنع الاختلاط غير الضروري.

تُصرّ إلهام علي، في كلّ مرةٍ تتحدث فيها إلى المشتركين والمشتركات على تكرار كلمة "حبيبي" الموجودة في عنوان النسخة العربية. في محاولة لتمييزها عن النسخ الأجنبية؛ سعيًا إلى التأكيد على أن البرنامج عربي أصيل وليس دخيلًا على المجتمعات العربية، وفي الحلقة الأولى يظهر زوجها خالد صقر مرتديًا الزيّ الإماراتي التقليدي. يتوجّه الزوجان بالحديث أولًا إلى المشاركين الرجال قبل النساء كأنَّ مُخاطبتهم أَوْلى، في موقف يبدو أشبه بعادة إقصاء النساء من الأحاديث المهمّة. هكذا يُطمئن الزوجان الجمهور بأنّ البرنامج "منّا وفينا"، وبالتالي فإن مشاهدته مقبولة وآمنة.

حرصت نتفليكس هذه المرّة على مسايرة الجمهور المحافظ واستهدافه مباشرة، خاصةً بعد الجدل الذي أثارته تجربتها السابقة في التعريب في فيلم "أصحاب ولا أعز" عام 2022. 

في "الحب أعمى، حبيبي"، جعلت العادات العائلية والوطنية المتنوعة مثل موافقة الأهل، جزءًا أساسيًا من تركيبة البرنامج.

فعدم تقبّل عائلة أسما لزواجها السريع، كان عقبة رئيسة أمام ارتباطها بخطّاب، إذ شدّدت والدته على أن الزواج لا يقتصر على العروسين فقط، بل هو علاقة بين العائلات أيضًا. كما أصرّت المشتركة صفا على أن يتقدّم شريكها محمد لخطبتها رسميًا من أهلها وفق العادات التقليدية. وفي الحلقة الأخيرة ينتظر الشيخ موافقة الثنائيات لإتمام الزواج وإضفاء الطابع الشرعي على العلاقة.

تربط نتفليكس إذاً بين ما هو تقليدي وما هو مُحافظ، بطريقةٍ تختزل مفهوم العادات في محاولة لاصطناع جمهورٍ متجانس. 

أُعجب المشاركون/ات بفكرة البرنامج التي تحاكي الزواج التقليدي وتعيد إحياء بساطة "العلاقات القديمة"، وهي نقطة أجمع عليها أيضًا كُتّاب وكاتبات المراجعات الصحافيّة. في نسخته العربية حوّلت نتفليكس البرنامج المثير للجدل إلى نسخة "كوول" ومعاصرة من زواج الصالونات التقليدي.

هذا القالب المحافظ الذي تمسّكت به المنصّة، يمثّل ابتعادًا عن مجازفاتها السابقة، وذلك بهدف حصد أكبر عدد ممكن من المشاهدات دون إثارة أي جدل سلبي بين المشاهدين العرب. وهكذا وجدت معادلتها المثالية: تعريب برامج عالمية ناجحة بصيغة محافظة تتماشى مع تصوّرها عن المشاهد العربي "العادي".

ابتعدت نتفليكس قدر المستطاع عن النموذج المثير للجدل لتلفزيون الواقع العربي. وبالتزامن مع عرض "الحب أعمى، حبيبي" تصدّر الموسم الثاني من "قسمة ونصيب" (2024) حديث الشبكات الاجتماعية، وهو برنامج يجمع شبّانًا وشابّات عربًا في "جزيرة الحب" بهدف التعارف والزواج. ورغم تشابه الفكرتين يختلف طرح البرنامجَان كثيرًا؛ إذ لم يتردد "قسمة ونصيب" في تقديم الاختلاط وبعض المشاهد الحميميّة، كما لم يحذف الشتائم وإن جرى تعديلها صوتيًا لتكن غير مسموعة.

ورغم تعرّض "قسمة ونصيب" لموجات من الانتقاد، إلا أنّ ذلك لم يمنعه من تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة واكتساب جماهير واسعة. وتعد  شهرة هذا البرنامج وغيره من برامج تلفزيون الواقع الأقدم، مثل "ستار أكاديمي" (2003) و"عالهوا سوا" (2003) مبرهنة أن الامتثال للعادات المحافظة ليس همّ المشاهد/ة العربي/ة الأول والأخير، كما أنّ الالتزام بالمقاربة المحافظة لا يضمن دائمًا تجنب الغضب والانتقادات، فقد تمسّك برنامج "الرئيس – بيغ براذر" الذي بُثّ عبر MBC عام 2004، بالفصل الجندري وابتعد عن أية حساسيات دينية أو اجتماعية، ومع ذلك أُلغي بعد بضع حلقات بقرار من وزارة الإعلام البحرينية.

بالنتيجة لا تتشابه تجارب تلفزيون الواقع العربي، ولا توجد صيغة ثابتة تضمن نجاح أي برنامج واقعي؛ بل تتداخل عوامل اجتماعية وسياسية مختلفة في تحديد كيفية تلقّي المشاهدين له.
 

الإمارات كمسرح للواقع

تبدو نتفليكس مهتمّةً بإنتاج برامج تلفزيون الواقع تحديدًا، ربما بسبب تحقيقها نسب مشاهدة مرتفعة، وهو ما تحقق مسبقًا مع تجربة "دبي بلينغ" التي أصدرتها المنصة عام 2022 وكانت مشابهة لـ"الحب أعمى، حبيبي" في تصوير جوانب مختلفة من الحياة في دبي. ففي حين يلاحق "دبي بلينغ" حياة مجموعة من المليونيرات في المدينة، يركّز "الحب أعمى، حبيبي" على انتماء الشباب إلى دبي رغم اختلاف جنسياتهم.

وفيه تظهر دبي كمدينةٍ للجميع بمشاهد تلبّي جميع الأذواق: شوارعٌ نظيفة وأبنيةٌ شاهقة وصحراءٌ واسعة وخلجانٌ وقوارب. يربط المشتركون والمشتركات العودة إلى دبي في المرحلة الأخيرة بالاستقرار والروتين والطمأنينة. يصف أحد المشتركين، عمّار، نفسه بأنّه "سوري ربيان بالإمارات" في سياق دفاعه عن قناعاته كـ"رجلٍ شرقي"، إذ يساوي الجانب الإماراتي من هويته بالجانب السوري. وفي ليلة الحنّاء تستعرض كلّ عروس عادات بلدها في التحضير للزفاف، ضمن إطار صحراء دبي التي تصفها أسما بـ"المكان العربي الأصيل". ترتدي دنيا الزيّ المغربي وتتحدّث عن القفاطين المغربيّة التي لا تكتمل إطلالة العروس بدونها. تحضر قريبات صفا وأمّها استعدادًا للزفّة على الطريقة العراقيّة، ومعهنّ الورد والسكّر والهال. أما أسما فتدعو راقصة في ليلة الحناء لتختبر آخر ليلة عزوبيّة على الطريقة المصريّة ولكن بعيدًا عن مصر.

تُنتج برامج الواقع صراعًا حول التمثيل الوطني، إذ يحمل المشتركون/ات عبء تمثيل بلادهم، فيعتزّون بلهجاتهم وعاداتهم وما يميّزهم عن الجنسيات الأخرى، كمحاولة للتواصل رغم اختلافاتهم وبسببها في آنٍ واحد.

في البداية تُعجب أسما بـميدو لأنه مصري مثلها، فالمصريون على حدّ تعبيرها "يفهمون بعضهم ويحبّون الهزار". تتودّد كارما التونسية إلى عمّار السوري منادِيَةً إيّاه بـ"ابن عمي"، في إشارة إلى دراما البيئة الشامية. يتحدّث شفيق عن ارتباطه العميق بلبنان وعائلته هناك، رغم أنه لا يجيد العربية. أما دنيا السعودية-المغربية فتنال إعجابها فرنسية شفيق، إذ تتحدث هي الأخرى الفرنسية بطلاقة.

رغم تنوّع هويّات المقيمين/ات فيها، تظهر دبي في البرنامج كمدينة متماسكة "أخلاقيًا"، تحافظ على ثقافاتها المختلفة دون أن تمحوها، تمامًا كما لا تلغي هذه الثقافات هوية دبي. يصوّر البرنامج المدينة كمزيج من التحضّر والتعدّد، دون أن تفقد طابعها العربي. تصبح دبي إذًا الموقع المثالي للنهج الآمن الذي تتبعه نتفليكس: حداثةٌ ضمن الحدود المقبولة "عربيًا".

ينبع تركيز نتفليكس على إنتاج تلفزيون الواقع في الإمارات من اعتقاد خاطئ بأنّ المشاهدين الذين يتابعون هذا النوع من البرامج ينتمون إلى فئة غير مسيّسة تسعى فقط إلى الترفيه، وأنّ الإمارات الفاخرة تعكس هذه "الرفاهية".

يحاجج الأكاديمي اللبناني مروان كريدي في كتابه "تلفزيون الواقع والسياسة العربية" (2009)، بأنّ برامج تلفزيون الواقع لطالما ساهمت في إثارة النقاش حول قضايا راهنة تتعلّق بالدين والسياسة والجنسانية والحداثة في العالم العربي. وهذا ما يفعله أيضًا "الحب أعمى، حبيبي" رغم القالب المحافظ الذي حدّدته نتفليكس، إذ يفتح البرنامج المجال لقراءته من منظور سياسي.

يسهل على المشاهد مثلًا ملاحظة أنَّ جميع المشتركات/ين تحدّثوا مطوّلًا عن بلادهن/م وتقاليدها، باستثناء المشترك الفلسطيني محمد، ربّما تجنبًا للتعليق على حرب الإبادة الإسرائيلية بحقّ الشعب الفلسطيني. تظهر فلسطين فقط كديكور على الرفّ في شقّة محمد، حيث تركّز الكاميرا على علبةٍ خشبيّة نُقشت عليها خريطة فلسطين من باب إبراء الذمة. لا يتطرّق البرنامج إلى مكوّنات دبي غير العربيّة، خاصةً فيما يتعلق بالعمّال الأجانب الذين تجعلهم هذه البرامج غير مرئيين، كما يتجنّب الإشارة إلى البعد الطبقي والمادّيات إلا من منظور الأدوار الجندرية. رغم تفاديه السياسة البحتة لا تغيب الثيمات السياسيّة عن البرنامج، إذ  برزت "النزعة النسويّة" كأحد المحاور الأساسية في "الحب أعمى، حبيبي".

«ما خرب بيتنا غير الفيمنستس»

في الحلقة الأولى من البرنامج تعلن المشارِكة نور "ما خرب بيتنا غير الفيمنستس" إيماناً منها بأنَّ النسويّة جلبت العمل والشقاء للنساء. لكن في الحلقة الأخيرة تصبح نور نفسها إحدى أشرس المنتقدات للمعايير المزدوجة الذكوريّة التي تمسّك بها المشاركون الرجال.

تطرح العلاقات في البرنامج نماذج مختلفة من التعامل مع الأدوار الجندريّة. في علاقة صفا ومحمد، تبرز التنازلات المرتبطة بصلب القضايا النسويّة. تتذمّر صفا من غيرة محمد وفي الوقت ذاته تعلن عن إعجابها بوعده المتكرّر لها "بحمايتها". تفرض صفا على محمد أن يتقبّل عملها الذي يتطلّب السفر المستمرّ رغم امتعاضه من ذلك. يعتبر محمد أنَّ قول "لا" للرجل هو أمرٌ جارحٌ للغاية وتتشبّث صفا باستقلاليّتها. لا يظهر أي من محمد أو صفا بموقعٍ نسويّ في المسلسل، بل يلتفّان حول اختلافاتهما لإيجاد أرضيّةٍ مشتركة، ما يظهر جانبًا واقعيًا من التجارب النسوية المُعاشة.

في علاقة عمّار وكارما يبرز اختلافهما حول مفهوم الرجولة كعائقٍ أساسيّ أمام التفاهم. يرفض عمّار عمل كارما في المسرح والرقص، لأنه لا يقبل -على حدّ تعبيره- أن تكون زوجته راقصة. ترفض كارما موقف عمّار، رافضةً التنازل عن الرقص الذي تعدّه جزءًا أساسيًا من هويّتها. في المقابل يرى عمار أنَّ كارما لا تدرك معنى الرجل الحقيقي وأنَّ الرقص "غير مقبول" في مجتمعنا العربيّ. تتحدّى كارما مفهوم "البيئة" الذي يستخدمه عمّار ليبرّر طرحه الذكوري، فتعتزّ كارما ببيئتها "المتوازنة" كما تصفها، وبـ"رجولة" أبيها وأخواتها الذين يتقبّلون عملها ويدعمونها. في النهاية تحسم كارما قرارها قائلة إنها "كامرأة، ربّي خلقني حرّة"، وتنهي علاقتها بعمّار.

في علاقة ميدو ونور، يبرز خلاف جوهري حول تقسيم الأدوار. تتمسّك نور بمعاييرها للزوج المثالي، وتصرّ على أنّ الرجل هو المسؤول الوحيد عن الماديات وتأمين العيش، وتربط مفهوم الرجولة بذلك متهمةً المشتركين بأنهم "ليسوا رجالًا حقيقيين" لأنهم يرفضون هذا الدور.

في المقابل يرفض ميدو أن يكون "صرّافًا آليًا" على حدّ تعبيره، ويصرّ على أن نور ليست شريكة مناسبة لأنها في نظره ليست "امرأة حقيقية"، معتبرًا أن جمالها الذي تعتزّ به ليس سوى نتيجة العمليات الجراحية.

في علاقة سيمو مع كلٍّ من ياسمين وهاجر، تظهر المعايير المزدوجة بأوضح صورها. خلال مرحلة التعارف يمتعض سيمو من تحدُّث ياسمين إلى شبّانٍ غيره بينما يتحدّث مع عدّة نساء بالتوازي. يُخفي قناعته بأنَّه يحقّ للرجل ما لا يحقّ لشريكته، ويقول لياسمين إنّها بتصرفاتها تشعره أنّه "غير مميّز". ترفض ياسمين هذه الازدواجيّة، فينتقل سيمو إلى هاجر ثم يرتبط بها. 

قبل الخطوبة، يسأل سيمو هاجر ما تودّ فعله قبل الزواج، فتجيبه أنها تريد "تذوّق الكايك قبل الالتزام بالحمية"، في تلميحٍ ضمني إلى العلاقات الجنسية قبل الزواج مع شخصٍ غيره. يغضب سيمو من ردّها، بينما تتراجع هاجر عما قالته وتصرّ على أنّها كانت تمزح. لكنّ سيمو يصرّ على توبيخها عدّة مرّات ويعتبر أنّها قلّلت من احترامه. ويتجاوز ذلك إلى ربط عذريّة النساء بشرف الوطن، فيقول لهاجر إنها "قلّلت من شأن المغرب بأكمله". يروّج البرنامج إذًا لمفهوم "الطهارة" ولا يتطرّق للجانب الجنسي للعلاقات بأيّ شكلٍ من الأشكال، بل ويصرّ على "براءة" هذه العلاقات، كما ظهر في مشاهد متكررة يفتخر فيها شفيق بكونه تجربة دنيا الأولى ولم يمسّها أحد قبله.

في حلقة "لم الشمل" يظهر بوضوح وعي المشاركات بهذه المعايير المزدوجة بعد مشاهدتهنّ للبرنامج معروضًا. تتّفق نور وهاجر وكارما تحديدًا على هذه الرؤية، إذ يواجهن الحجج الذكورية التي يقدّمها الرجال لتبرير تصرّفاتهم، ويسمّين المعايير المزدوجة بمسمياتها، كما ينتقدن تعليقات الشبّان اللاذعة وتشبّثهم بـ"عقليّة الرجل الشرقي".

رغم إصرار المشاركين الذكور على هذا النموذج، لا يظهر معظمهم بهذه الصورة النمطيّة؛ فملابسهم غير تقليديّة؛ يرتدون الأقراط والذهب ولديهم وشوم، كما أنهم يتحدّثون عن مشاعرهم بطلاقة، وبعضهم خضع لجراحات تجميل، وتربطهم صداقات أليفة لا تبدو سطحيّة. 

في الوقت ذاته، يرفض الشبّان العبء المادي الذي يُلزمهم بأن يكونوا المعيلين الوحيدين في العلاقة، متحدّيين بذلك أحد أبرز أعمدة نموذج "الرجل الشرقي" الذي يفرض عليه التكفل بالمصاريف كاملة.

يعقّد "الحب أعمى، حبيبي" إذًا الأدوار الجندريّة والأفكار السائدة عن الرجل الشرقي والمرأة الشرقية. كما يطرح أسئلةً كثيرة عن طبيعة العلاقات الحديثة، وتبدّل المساحات التي يحتلّها كل من الرجال والنساء في العلاقات، أو في المدن المتروبوليتية التي يقيم فيها أشخاصٌ من جنسيات وخلفيّات متنوّعة. 

يتخطّى «الحب أعمى، حبيبي» الترفيه، ليكشف عن دلالاتٍ ثقافيّة وسياسيّة معقّدة، من دون أن يخسر هويته الترفيهيه، كما يمثّل توجّهاتٍ جديدة لنتفليكس مع سعيها لدخول منزل المشاهد العربي عن طريق استرضاء الجماهير المحافظة.

في "الحب أعمى، حبيبي" فضّلت نتفليكس اختزال المشاهد العربي في صورة مشاهد محافظ وغير مسيّس، بدلًا من استغلال الفضاء الواسع الذي يتيحه تلفزيون الواقع ودفع حدوده إلى ما هو أبعد من السائد والنمطي.


حرر النص هلال شومان ضمن برنامج "الصحافة الثقافية النقدية" (2023-2024)، الذي تديره مؤسسة الصندوق العربي للثقافة والفنون-آفاق بالشراكة مع الأكاديمية البديلة ممثلةً بشبكة فبراير. 

    منار شربجي

    صحافيّة سوريّة مقيمة في بيروت

    إضافة تعليق جديد

    محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

    نص عادي

    • لا يسمح بوسوم HTML.
    • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
    • Web page addresses and email addresses turn into links automatically.