في المنطقة الناطقة بالعربية غالبًا ما تُعد الثقافة الجنسية نوعًا من الرفاهية. وكما قيل لنا مرارًا، مارَس آباؤنا الجنس وأنجبوا أجيالًا بطريقة فطرية، أي دون أن يعلّمهم أحد شيئًا.
ربما أتيح لي ترف تعلّم "طريقة الإيلاج"، أو طرق منع الحمل، لكن لم يعلّمني أحد كيف يمكن أن تتجاوز ممارسة الجنس هذا الفعل. كامرأة كويرية واجهت الكثير من الأسئلة غير المُجابَة، حتى داخل المساحات الكويرية القليلة التي حضرتُ ورشاتها المعنية بالصحة الجنسية، حيث انصبّ التركيز الأكبر على الرجال المثليين المنسجمين مع جنسهم (cis gay men).
في إحدى ورش العمل، خُصّصتْ مساحةٌ صغيرةٌ جدًا للحديث عن النشوة النسائية، إذ اكتفى ميسّر الورشة - وهو طبيب مختص في صحة النساء - بتقديم النشوة المهبلية على أنها "الأكثر إشباعًا وقوة" على حدّ قوله، دون تخصيص مساحةٌ مستقلةٌ لتناول الأمراض المنقولة جنسيًا بين الكويريات.
من هنا يصح القول إن الصحة الجنسية للمثليات والكويريات مهمّشة، والأسباب وراء ذلك كثيرة؛ أهمّها هيمنة الغيرية المعيارية على المفاهيم والقوانين وكذلك التصوّرات الدينية، حيث يُختزل الفعل الجنسي بالإيلاج المهبلي بواسطة القضيب باعتباره الشكل الوحيد المُعترف به للجنس -رضائيًا كان أم قسريًا- في سياق المجتمعات الذكورية، الذي غالبًا ما تُحدّد قيمة النساء فيه بكونهن موضوعًا جنسيًا خاصًا بالرجال المغايرين؛ فلا تحظى الكويريات بأي استثناءٍ من مركزية النظرة الذكورية، بل تتحوّل هوياتهن إلى مادة جنسية لإشباع رغبات الرجال، وهو واقعٌ يظهر في العديد من الأفلام السينمائية والإباحية أو "أفلام البورن" (Porn).
لكل ما سبق قرّرتُ كتابة هذا المقال لأحكي عمّا لا يُقال وأقدّم بعض المعلومات والنصائح التي قد تفيد الكويريات بالاستناد إلى تجاربي الشخصية ومقالات قرأتُها تتناول مسائل الصحة الجنسية، آملةً المساهمة في خلق سرديات تحتاجها وتستحقها المثليات والكويريات، ليس فقط في سياق المجتمع العربي المحافظ، بل حتى داخل فضاءاتنا الكويرية الضيّقة.
القضيب السحري
يصعب في المنطقة العربية الحصول على الألعاب الجنسية. لكنها كغيرها من المواد المحظورة، متاحة في أحيانٍ كثيرةٍ عبر بعض المُورِدين الذين تتناقل أسماؤهم شفهيًّا في دوائر المعارف والأصدقاء.
اللعبة الجنسية الأولى التي اشتريتُها كانت قضيبًا صناعيًّا (dildo)، في السابق لم أمتلك الخيال الكافي لتصوّر العلاقات الجنسية خارج مركزية القضيب والإيلاج، مع أنني لم أحتج إليه لتحقيق النشوة؛ إلا أنني خفتُ أن أكون عاجزةً بدونه عن تحقيق المتعة لشريكاتي في الجنس.
حرصتُ على أن يشبه قضيبي الصناعي ذاك "الواقعي" من حيث الملمس واللون. تخيّلتُ أنني بحيازتي له امتلكت أفضل ما في العالمَين: جسدًا نسائيًا وقدرة على الإيلاج تُشبه تلك المنسوبة إلى الرجال، فقد جرى برمجتي على مدار عمرٍ كاملٍ على اعتبار الإيلاج الحدث الأساسي في العلاقة الجنسية وكل ممارسة سواه مجرّد "تمهيد"، ما يثبت أن هذا التصور لم يقتصر على المغايرين/ات فحسب، بل طال المساحات الكويرية.
ظل قضيبي المسكين متروكًا في زاوية منسية من خزانتي لم تلمسه يدٌ لسنوات، فالنساء اللواتي واعدتهنّ لم يبدينَ حماسةً واضحةً لاستخدامه؛ وبعضهن لم تحببن النسخة "الواقعية" أصلًا، أو فضّلن الامتناع عن ممارسة الإيلاج إطلاقًا. لكن الحقيقة أنني أيضًا لم أكن مولعة به. شعرتُ أنه شىء لا يخصّني، وكأنه مجرد شبح لخيال العلاقات الغيرية وحاجز يمنعني من اختبار تجربتي الخاصة على طريقتي. أعرف الآن أنني لم أحتج إلى أي نوع من "التعويض" في علاقاتي الكويرية، فهي ليست مجرّد محاكاة رديئة لـ"شيء أفضل"، إنما تجربة خاصة من الحميمية والمتعة، لذا أقول إنه لا مجال لمقارنة شيء لا يشبه إلا نفسه بآخر.
لاحقًا تصالحتُ مع الألعاب الجنسية، ولا سيما حين أدركتُ طبيعتها كأداة تُوسّع خيالي الخاص بالمتعة وذاتي. تعرّفتُ مؤخرًا على الألعاب المستوحاة من الكائنات الخيالية أو الـ(fantasy toys)، وأحببتُ أنها لا تشبه أي شيء أعرفه، بل تتفوق على ما أعرف بالتواءاتها المبهرة والنتوءات البارزة وقدرتها على الاهتزاز والانحناءات المُصمَّمة لتحقيق أشكالٍ مختلفةٍ من المتعة، وهو ما شجعني على شراء لعبةً جديدةً لي بلون وردي مبهج ومجسّات أخطبوطية مُبهرة، فلماذا أقُيَّد بحدود الواقع مادام بإمكاني السمو بخيالي؟
"الفرك" على طريق للمتعة
"كيف تمارس المثليات الجنس؟" سؤالٌ طرحه عليَّ صديق مثلّي. قد يبدو السؤال ساذجًا والجواب بديهيًا، غير أنه ولفترة طويلة من حياتي لم يكن كذلك. عرفتُ من تجربتي أنّ الجنس الفموي واليدوي خيارات متاحة لكنها لا تريحني، وأن بظْري يتلقى لمسات الأصابع والألسنة كما لو كانت طعنات مصغّرة شديدة الإزعاج، وأن تحفيز "الجي سبوت" (G-spot) يضايقني بالقدر ذاته، كما أنني أفضّل ألّا يكون تحفيزي مرهونًا بتحكّم شركائي بي، بل بالأحرى خاضعًا لتحكّمي الشخصي.
يأتي الفرك (humping) بديلًا لمّا لا أستسيغ؛ والفرك فعلٌ لا يتطلب ممارسة الإيلاج ويوفّر احتكاكًا كاملًا لمنطقة البظر والشفرات وفتحة المهبل - لدى اتّخاذ الوضعية المناسبة - كما يمنح الشخص الممارِس للفرك تحكّمًا في وتيرة الحركة واتجاهها ومستوى الضغط المناسب لتحقيق المتعة، وغالبًا ما توفّر هذه الحركة ضغطًا قويًا على المنطقة المُراد تحفيزها، خاصة إن كان الشخص في وضعية النوم على البطن أو جالسًا.
قد يشمل الفرك حكّ العضو الجنسي بسطحٍ خارجيٍّ جامدٍ مثل الوسادة أو الكرسي أو طرف السرير أو الهزاز، وغالبًا ما يتم ذلك خلال الاستمناء الفردي، ويمكن أن يشمل الفرك الحكّ على عضو من أعضاء الجسم مثل: الفرج والفخذ والبطن والمؤخرة، وهو ما يُعرف بالـ(tribbing)، أي ممارسة جنسية خاصّة بالكويريّات تُطبّق في وضعيّات عدّة، أكثرها شهرة وضعية المقصّ أو الـ (scissoring) التي راجت بفضل البورن. وكما يدل اسمها فهي وضعية تتخّذ شكلًا قريبًا من الشكل الذي يحدثه تلاقي مقصّين مفتوحَين وتتضمّن الاحتكاك المباشر بين الأعضاء الجنسية لشخصين. إن هذه الوضعية وبخلاف طريقة تصويرها، ليست رائجة فعلًا، ذلك أنه يُحتمل أن تشكّل تحديًا جسديًا للكثير من الأشخاص إذ تحتاج قدرًا عاليًا من المرونة، كما أنها في بعض الأحيان تكون غير مريحة أو غير مُمتعة.
إلى جانب وضعيّة المقص، يمكن الاستمتاع بوضعيّات أخرى تتضمّن الفرك القائم على الاتّصال المباشر بفرج الشريكة أو بأيّ جزء آخر من الجسد، ووضعيات مُتعارف عليها بين الأزواج المغايرين مثل: الوضع التبشيري، والفارسة، وزهرة اللوتس. وعلى الرغم من ارتباط هذه الوضعيات بالإيلاج، إلا أنها قد تحقّق المتعة باعتمادها على الاحتكاك الخارجي فحسب. وفي حال الرغبة في زيادة التحفيز يمكن إدخال جهاز هزاز (vibrator) بين الفرجَين، ومزلق حميمي يجعل الفرك أكثر انسيابية.
أعلى أو أسفل؟ عن الأدوار الجنسية بين النساء
عادةً ما يؤدّي صاحب القضيب دورَ "المانح" ضمن العلاقات المغايرة بين الأشخاص المتوافقين مع جنسهم، لكنّ الدينامية بين الشريكين تختلف عند الرجال المثليين مع اختلاف طبائع الأشخاص وتفضيلاتهم، متجاوزة الاستجابةً للحتمية البيولوجية أو التوقعات الاجتماعية.
بين الرجال الكويريين غالبًا ما يرتبط توزيع الأدوار الجنسية بمركزية الإيلاج، فالمانح (top) هو من يتولّى الإيلاج والمستقبِل أو الـ(bottom) هو مَن يتلقّاه والمرن أو الـ(versatile) أو الـ(vers) ينتقل بين الدورَين. لذا يعتقد البعض أن العلاقات بين النساء المثليات لا تشمل أي أدوار جنسية في ظل غياب عنصر الإيلاج من أصله. وبالفعل، بعض النساء الكويريات يفضّلن عدم الالتزام بأي دورٍ محدّدٍ في علاقاتهن الجنسية، فتتّخذ ممارستهن شكل الأخذ والعطاء (switching)، وهذه الصيغة بالطبع ليست قانونًا صارمًا للعلاقات بين النساء، فاختلاف الأدوار وأساليب الكويريّات في التعبير جزء أساسي من هوياتهن والتاريخ الكويري عمومًا.
باختصار، للأدوار الجنسية بين النساء خصوصيتها؛ فالمنح مثلًا لا يتحدّد بإنجاز عملية الإيلاج، إنما بمنح المتعة سواء عبر الجنس الفموي أو اليدوي أو غيره من الممارسات. بعض النساء ممّن يفضّلن دور "المانح" يفضّلن عدم "استقبال" المتعة في المقابل، أو حتى يرفضن اللمسات الجنسية من أصلها، وهذا ما يُعرف بتفضيل الـ(touch me not) لا تلمسيني أو الـ(stone butch) حيث تكمن متعتهنّ في عملية المنح بحد ذاتها. وقد تفضّل أخريات تلقّي المتعة فقط، وأحيانًا تُطلق على هؤلاء تسمية (pillow princess) أي أميرات الوسادة.
من المهم التذكير هنا بأن الأدوار الجنسية من منح وتلقّي وغيرها، لا ترتبط بالضرورة بالتعبير الجندري أو المظهر الخارجي للشخص، فمن الخطأ الافتراض بأن النساء أو الأشخاص الذين يعبّرون عن أنفسهم وفق منحى ذكَري أو رجولي هم بالضرورة "المانحات" في العلاقة الجنسية، أو أن التعبير الأنثوي مقرون حتمًا بالتلقّي أو الاستقبال. ما يميّز التجربة الكويرية أنها اختيارية واستكشافية وغير متوقّعة بالضرورة، إذ يتمتّع كل فرد بخصوصية تجربته وهويته الشخصية ولا يُلزَم بالخضوع لتجربة عامة محدّدة. والاستكشاف رحلة يختبرها شخصان ذوا تفضيلات مختلفة يستمتعان بها أكثر حين يكون العقل منفتحًا على الاحتمالات بدلًا من أن يقيد نفسه بالأنماط المقبولة.
الجنس الآمن يخص الكويريات والمثليات أيضًا
على مدى أعوام طويلة اعتقدت أن الواقي الذكري هو وسيلة الحماية الوحيدة المفترض استعماله، وقد استخدمتُه أساسًا خلال ممارساتي الجنسية مع أصحاب القضيب، إذ كنتُ أقلق بشدّة من إمكانية حدوث حملٍ غير مخطّط له. افترضتُ في المقابل أن العلاقات مع النساء لا يمكن أن تشكّل أيّ تهديد يستوجب الوقاية. آنذاك لم أكن أعلم شيئًا عن المنتجات الوقائية الخاصة بالنساء المثليات.
إلى ذلك، لاحظتُ أننا عندما نفكّر في الأمراض المنقولة جنسيًا (STDs) وحالات العدوى المنقولة جنسيًا (STIs) فأوّل ما يخطر في بال كثيرين/ات هو فيروس نقص المناعة البشري (HIV) المسبّب لنقص المناعة البشرية المكتسب أي الإيدز (AIDS). لكن هناك الكثير من حالات العدوى، مثل: الورم الحليمي البشري (HPV)، والهربس (Herpes)، والكلاميديا (Chlamydia)، والزهري (Syphilis)، والسيلان (Gonorrhea)، وغيرها من الفيروسات والبكتيريا التي يُحتمل انتقالها خلال الممارسات الجنسية بين النساء.
تتمثّل أشكال الوقاية الأكثر شهرة في الاكتفاء بشريكة واحدة طويلة الأمد والخضوع للفحوصات والتحاليل الدورية، وتلقّي لقاح فيروس الورم الحليمي الذي صارت توفّره الكثير من المدارس في المنطقة كجزء أساسي من جدول التلقيحات للطَلَبة، لكن ثمة أشكال وقاية وإجراءات إضافية أخرى تساعد في الوقاية، سواء في حالة الالتزام بشريكة واحدة أو تعدّد الشركاء، أهمها ما يلي:
- ارتداء قفازات طبية خالية من البودرة خلال ممارسة الجنس اليدوي، ويُفضَّل أن تكون مصنوعة من اللاتكس (latex) أو النتريل (nitril).
- استخدام الحاجز المطاطي (dental dam) خلال الجنس الفموي. وكبديل يمكن قص الواقي الذكري واستخدامه كحاجز بين الفم والمهبل أو فتحة الشرج.
- تعقيم الألعاب الجنسية بالماء والصابون، مع تغطيتها بالواقي الذكري وتغييره عند الانتقال بين الشركاء أو الشريكات أو بين فتحة الشرج والمهبل.
- في حال اتصال الفرجَين بشكل مباشر تتعسّر الوقاية. لكن يمكن استخدام (lorals) وهي ملابس داخلية من اللاتكس تشكّل حاجزًا يمكن أن يقي من العدوى المنقولة جنسيًا، لكنها باهظة الثمن وغير متوفّرة بسهولة في دولنا. وكبديل يمكن الاعتماد على الفرك الجاف (dry humping) أي الفرك بوجود الملابس، مما يقلل من تبادل السوائل المهبلية بين الشريكتَين.
ختامًا، أودّ الإشارة إلى أنّ التهاب المهبل البكتيري (Bacterial Vaginosis) والتهاب المسالك البولية (UTIs) لا يندرجان مباشرةً ضمن لائحة الأمراض المنقولة جنسيًا، لكن قد تؤدّي بعض الممارسات الجنسية إلى رفع احتمالية الإصابة بهما. ويمكن الوقاية من هذه الالتهابات عبر الحفاظ على نظافة الفم واليدين وتعقيم الأدوات الجنسية والتبوّل بعد الجماع وشرب المياه بانتظام، كما يُنصح باستخدام مزلقات آمنة ومخصَّصة للاستعمال الجنسي؛ فبعض المنتجات غير المناسبة قد تؤثر في خلخلة توازن البيئة المهبلية. كما أنه من المهم التنبيه إلى أن للمهبل بطبيعة حمضية تساعد في الحماية من العدوى وأن أي خلل في هذا التوازن قد يسهّل نمو البكتيريا المُسبِّبة للالتهابات المهبلية.
ربما نجح آباؤنا في التناسل بشكل فطري، لكن حين نتحدّث عن الجنس الكويري فالغاية هي المتعة الخالصة، الأمر الذي لا تنجح "الفطرة" في تحقيقه على الدوام. لم يأتِ الجنس في حالتي كفعل تلقائي، بل كان مزيجًا من الهدم وإعادة البناء، إذ لم أمتلك جنسانيتي إلا حين تحرّرتُ من توقعاتٍ معياريةٍ لا أنتمي إليها وخيالاتٍ تُشيّئ هويتي وتعزلني عنها.
وعندما توقفت عن المحاكاة، ساءلت نفسي حول ما يمتعها فعلًا وسألتُ شريكاتي عن رغباتهنّ الخاصة، فالهوية الكويرية برأيي لا تحتاج إلى "كتالوج"، بقدر ما تحتاج إلى حرية الاستكشاف ضمن مناخٍ أرحب للتعددية والمتعة التي لا تعترف بحدود "الفطرة".
إضافة تعليق جديد