لماذا يُحرِّم المفتي أحمد الخليلي المثلية الجنسية في عُمان؟

عندما أمسك يد حبيبتي في مكانٍ عام، أطمئنكن أن شبح المفتي العام لسلطنة عُمان أحمد الخليلي، لن يظهر لنا وهو يقول: "إن الدعاية الغربية للمثلية تجرح إيمان الشباب." وعندما نتبادل القبل خلف أبوابٍ مغلقة لن نفكّر فيه وهو يقول: "إن المثلية دليلٌ على فسادٍ في الطبع." وحين نقرّر البقاء معًا إلى الأبد لتكوين عائلةً صغيرةً - بزواج أو بدونه - لن نفكّر فيه وهو يتساءل: "أين النسل؟" واصفاً الزواج المثلي بأنه "إتلاف للحياة". ونحن في أجواء من الحميمية، أؤكّد لكم أننا لن نلتفت إلى حديثه عن ماء الحياة الذي يصبّ في غير مجراه، بل سنفكّر في مدى قدرة هذا الحب على جعلنا نشعر بذواتنا.

في الماضي، لم تكن المثلية الجنسية موضوعًا لحوار جدّي أو سائد في المجتمع، لكن مع تصاعد رُهاب المثلية في دولٍ كثيرةٍ -والهوموفوبيا دينية الطابع على وجه الخصوص- باتت من القضايا الأكثر تداولًا في المجتمع العُماني. أتذكّر كيف كنّا خلال مراهقتنا نتشارك قصصًا عن مثليين ومعظمهم من الذكور، منها قصةُ رجل في بلدتنا كان السكّان على علم بميوله، إنما لم تمنعهم هذه المعرفة من التفاعل معه أو التعرّف إليه، باستثناء بعض الأهالي الذين كانوا يُثنون أطفالهم عن التعامل معه بصورة دائمة أو تكوين صداقة تتخطّى حدود السلام والتحية. 

للمفارقة، لم يكن أحد يتكلّم بسوء عن الذين يخالطون ذلك الرجل، أو عمَن يُعتقد أنهم كانوا "يواقعونه" (أي فعل الولوج). ففي نظر المجتمع يبقى هؤلاء رجالًا بالمعنى الذكوري للكلمة، فهم سيتركونه ليتزجوا متى أرادوا ذلك.  

ولفهم جذور أقوال المفتي العام أحمد الخليلي، علينا فهم واقع المثليّات/ين في عُمان اليوم اجتماعيًا وثقافيًا وقانونيًا، وإبراز مدى تورّط جانب من المجتمع العماني في تعزيز ثقافة رهاب المثلية المتفاقمة اليوم. 

حين تُحصَر المثلية الجنسية بالذكور فقط

بدايةً، من المفيد التذكير بمصطلح "خنيث" الذي يُطلَق على الرجل المثلي في عُمان، أما مصطلح "حبابة" بصيغته المؤنثة، فيُستخدم عادةً للدلالة على الرجل الذي يُحبّ، الذكرَ الناعمَ الملامح أو مَن يسمّون بـ"الصبيان". لكن اللافت غياب المصطلحات الخاصّة بالمثليات، وقد يُعزى الأمر إلى التكتّم السائد حول حياة النساء الحميمة وعلاقاتهن الجنسية. في المقابل وكما هو شائع في الخليج، تُطلَق صفة "بوية" على الفتاة التي تتصرّف بما لا يتماهى مع توقّعات المجتمع المعيارية فترتدي ملابس محايدة جندريًا مثلًا، والذي عُمِّم على جميع النساء المثليات، ولم يفرّق بين امرأة مثلية وأخرى لا تمتثل لمعايير الأنوثة السائدة. 

بشكل عام لم تكن المثلية الأنثوية موضوعًا للنقاش في المجتمع، لأنها لا تثير القدرَ ذاته من البلبلة أو الانتباه الذي تثيره المثلية الجنسية بين الذكور. إلى ذلك وكما تذكر إيمان الجعفري في مقالها حول الهوية المثلية الأنثوية: "يتم التقليل من شأن العلاقات الإيروتيكية بين النساء إذ تُعتبر بديلًا مؤقتًا عن حب الرجال، ولا تُعدّ تهديدًا فعليًا لنظام المعيارية الغيرية، ما دامت محفوظة في الخزانة أو تحدث بالسرّ"1

أما الأنثى التي تظهر علانيةً بصورة غير أنثوية، فتظل محط اهتمام الآخرين والأخريات، لكن بوصفها "بوية"، وتبقى الشابة المثلية التي تعيش حياتها العاطفية في الخفاء غيرَ مرئية، ولا يُلاحَظ اشتهاؤها لامرأة أخرى، لكن في الوقت نفسه لا تخضع لمجهر المراقبة الذي اعتادته النساء المغايرات المرتبطات بالذكور. وبالطبع يُتوقّع من المثلية أن تتزوّج يومًا ما رجلًا مغايرًا تقليديًا، وعادةً ما يُرأف بها أكثر من تلك التي توصم "بالزنى"، فلا مجال لاستعادة عذرية الأخيرة، أمّا المرأة المثلية فينظر إليها أنها قابلة للتوبة. 

عن نظام ولاية لا يفرّق بين مُغايِرة ومثلية

النساء المثليات شأنهنّ شأن المغايرات، يعانينَ في عُمان من الضغوط العائلية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة التي تدفعهن إلى الزواج، بخلاف الرجال المثليين الذين لا يواجهون مستوى الضغط نفسه نظرًا إلى التفاوتات الموجودة أصلًا بين النساء والرجال في المجتمع فيما يتعلق بالحق في الاختيار والعيش والتنقل بحرية والانتظار قبل الزواج. كذلك غالبًا ما تُحرَم النساء المثليات وغير المثليات من حرية التنقل، ما يجعل اللّقاء بين شابتَين أو حبيبتَين من منطقتَين مختلفتَين أمرًا شاقًا، أو يجعل اللقاء - في أحسن الحالات - محصورًا بمقرّ الدراسة أو العمل المشترك. 

في عُمان، لا تمتلك المرأة حرية العيش بمفردها في حال كانت تعمل في العاصمة مثلًا -إلا في ما ندر- ما ينعكس سلبًا على قدرتها على العيش وحيدةً وحرّةً أو برفقة شريكتها، فالبنية الذكورية للمجتمع العُماني غالبًا ما تدفع النساء إلى اختيار "مساكن بنات" التي يتشاركنَها مع نساء أخريات، أو إلى السكن مع أقاربهن وأهلهن.

ثمّ يأتي القانون العماني ليعكس تغلغل التوجّهات الدينية في المجتمع وأحكامها الصارمة ضد الممارسات المثلية العاطفية والجنسية، عن طريق تجريم العلاقات المثلية سواء بين الذكور أو الإناث، مع فارقٍ لافتٍ تنصّ عليه المادة 261/2018 من قانون الجزاء المعدّل عام 2025 على، وتنص على "يُعاقَب بالسجن مدّةً لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات كلّ ذكر واقع ذكرًا برضاه، ويعاقَب بالعقوبة ذاتها الذكر الذي قبل ذلك على نفسه2" فيما تُطبّق العقوبة على المثليات في حالة واحدة فقط، وهي إقامة الدعوى من قِبل الزوج أو ولي الأمر، وذلك وفقًا للمادة 262/2018، ولذا فإن ربطُ شرط إقامة الدعوى ضد المثليات برغبة الزوج أو ولي الأمر، يدل على ارتكاز القانون العُماني على نظام الولاية الذكوري وتراتبيات اجتماعية بطريركية تسعى إلى ترسيخ خضوع النساء إلى ذكور الأسرة، وعلى رهاب المثلية القائم على اعتبارات اجتماعية ودينية.

يتشارك المجتمع بهرميته الأبوية، مع الدولة إذًا في التحريض على المثلية وخلق بيئة غير آمنة للمثليين/ات ومنع كل ما يمكن أن يتّصل بهمن حتى الألوان. فمؤخرًا مثلًا صُودرت مجموعة من ألعاب الأطفال لمجرد احتوائها على قوس قزح أو ما سُمّي بـ"عَلَم المثليين" بذريعة أنها مواد مخلة بالآداب، وذلك بعد أن كانت طفولتنا وملابسنا وألعابنا تعج بقوس القزح وألوانه الزاهية. 

رجال الدين والأكاديميّون أدوات لتأجيج الهوموفوبيا

يحظى الخليلي بمكانة خاصة في عقول أفراد المجتمع العماني وقلوبهم على اختلاف طوائفهم، لما يمثله من قيمة ورمزّية تعكسان اللحمة الوطنية التي أسّس لها السلطان الراحل قابوس، لذلك عندما يحرّض هو وحاشيته على المثلية، فإنّ لذلك أثرًا كبيرًا على المجتمع ككل، وعلى المثليين/ات أنفسهمن الذين يعانون أصلًا من رهاب المثلية المتصاعد في البلاد، فيأتي خطاب المفتي المتطرّف ليرسّخ فكرة أن "ظاهرة الشذوذ" هي إصدار غربي ويزيد الطين بلّة. ولم يتوقف الخطاب عند هذا الحد، بل رأى أنّ غضبَ الله قد تحقّق حين ربط المثلية بانتشار مرض جدري القرود، وعلى حد قول المفتي: "لم يكد العالم اليوم يروّج للشذوذ الجنسي تحت شعار المثلية حتى فوجئ بداء جدري القرود تحقيقًا لمعجزة نبيّنا الذي لا ينطق عن الهوى". ويا له من خطاب "عقلاني" تلاه هذا الرجل، فكيف لمرض غير جنسي يصيب كل البشر أن يكون عقوبة لميل جنسي؟

لكن خطاب الخليلي لم يكن مفاجئًا، ذلك أن الجهل الذي ينضح به يقوده ويعزّزه أشخاص كثر، من بينهم أكاديميون/ات مثل حمود النوفلي من جامعة السلطان قابوس، المهووس بنظرية المؤامرة إلى درجة أنه ربط في خطابٍ سابقٍ له بين الماسونية والمثلية والنسوية، معتبرًا أنّ النسوية في المجتمعات العربية مدعومة من الماسونية العالمية وتحرّكها منظمة سرية تسعى إلى إغراء الفتيات لنشر أفكارها المدمّرة والمساهمة في الترويج للمثلية أيضًا، والكلام هذا لرجلٍ أكاديمي يُدّرس أجيالًا من الطلبة والطالبات يسمح لنفسه بالخوض في قضايا مهمّة دون أن يمتلك أي تخصّص يؤهله لذلك. وللأسف استطاع جذب شريحة واسعة من المجتمع العُماني.

لكن حقًّا، لماذا يخاف الخليلي من المثلية؟

على الرغم من تورّط المجتمع العُماني الواضح في نشر الكراهية ضد المثليين/ات، يظل السؤال: لماذا يُحرّم الخليلي المثلية؟ ولماذا يخشى النوفلي من النسوية والمثلية إلى هذا الحد؟ 

الجواب بسيط جدًا، وهو أن حلّ هذه العُقَد ونشر مفاهيم تحرر المرأة من الخضوع اجتماعيًا وقانونيًا لسلطة الذكر، وهو ما لا يناسب الرجلَين وما يمثّلانه، والدليل تغريداتٌ للنوفلي يعلن امتعاضه من النسوية التي تدعو المرأة إلى كسر حلقة العنف وخلق بيئة آمنة وصحية لها، فيما يشجعان بصريح العبارة على وجوب "أن تخدم" المرأة زوجَها؛ فالرجلان يخافان بوضوح من النسوية لأنها تقوّض سلطتهما، ومن المثلية لأنّها نموذج حي آخر لتحدّي هذه السلطة.

رغم ذلك كلّه يبقى الفخر عنوانًا لمجتمع الميم العُماني، فمع ارتفاع الهوموفوبيا، زاد الصمود وقوّة الحراك داخليًّا. ورغم انعدام البيئة الآمنة، ها نحن نستمر في العيش والوجود داخل عُمان بكل فخر.

زهور اللامي

صحافية نسوية من عُمان

إضافة تعليق جديد

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • سيتم تحويل عناوين المواقع الإلكترونية وعناوين البريد الإلكتروني إلى روابط تلقائياً.