لا يزال صوت الآنسة وكلامها يتردّدان على مسمعي: "أنا ما قلّتلِّك لا بقى تلبسي الجينز على المسجد؟ هاد تشبّه بالرجال".
كلُّ ما يُشبه الرجال حرام، لكن أنْ تكوني امرأةً حرامٌ أيضًا. فلا المكياج مسموحٌ مثلًا، ولا طلاء الأظافر. لا يتعلّق هذا بتقبّل الذات، إذ في الأسبوع ذاته سمعتُ الآنسة تقول لإحدى "المُريدات"1 التي حَملتْ آثار العنف الزوجي على وجهها: "شوية مكياج ما بيضرّ، طالما عم تحافظي على زوجك وبيتك".
تنتمي الآنسات إلى جماعة القُبَيْسيّات2 ذات التوجّه الدينّي الدّعويّ النّسائيّ الذي يُعنى بالتزكية الروحيّة الفرديّة وإصلاح النفس، عبر التركيز على أمورٍ تعبّديةٍ مَحْض. ويَتّضح هذا في قواعدها السلوكية التي تَتبِعُها وتحثُّ المُنتسبات على اتباعها، مثل تربية الأطفال على حفظ القرآن، والالتزام بألفيّاتٍ صوفيّةٍ من الأذكارِ وأورادٍ صباحيّةٍ ومسائيّة، وتلاوة عدد صفحاتٍ مُعيّنةٍ من القرآن يوميًا، مع المحافظة على السُّنَن المؤكّدة وغير المؤكّدة. كما تُمنع الطالبات بالترهيب من سَماع الأغاني، وحضور الأعراس غير الدينيّة، والاختلاط مع الجنس الآخر في الجامعة أو في المدرسة، وارتكاب أيّ "خطايا". وتُحصر أدوار النساء في مجتمع الجماعة عبر وَضعهنّ في قوالب مُعدّةٍ مسبقًا. فالهدف الأول هو بناء "مُسلمةٍ" طاهرةٍ نَقيّة، باستخدام أساليبَ تُغيّب الشعور الأُنثويّ لدى عُضْوات الجماعة، وتؤدّي إلى فناء الذات وإلغاء الدور النسائيّ اجتماعيًا وسياسيًا.
جماعة نسائيّة تُعيد إنتاج السُلطة الأبويّة
التَحقتُ بحلقات تحفيظ القرآن في سنٍّ مبكرةٍ عن طريق وسيطةٍ لدى عائلتي حملَتْ لقبَ "الآنسة". وكان يُطلق هذا اللقب على اللواتي تجاوزنَ التسلسل الهرميّ، بعد حفظ الوصايا واجتياز الفحوصات بكتبٍ دينيّةٍ دأبَت الجماعة على نشرها، منها ألفه سعاد ميبر، "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنّة" 144 هجرة قبل الميلاد، وأيضًأ كتاب من تأليف المفكر الإسلامي خالد محمد خالد "رجال حول الرسول" عام 1973، بالإضافة إلى الكاتب الإسلامي محمد علي قطب، "نساء حول الرسول" عام 1415 هجري عام 1995، ومن الداعية والمفكر الإسلامي محمد الغزالي، "فقه السيرة"عام 1402 هجري 1982، وكثيرٍ غيرها، ليُصبحنَ في المرتبة الثانية بعد "الحجّيات"، وهنّ النواة المركزيّة والمرجعيّة النهائيّة التي تُدير الجماعة وحلقاتها، وتَضع الخطط والبرامج، وتُشرف على التنفيذ العام. فتُرفَع إليهنّ تقارير العمل وتَقْييم العُضْوات، وتَرجعُ إليهنّ "الآنسات" في كلّ شؤونهنّ. ولا تستطيع الطالبات الوصول إلى "الحجّيّات" إلّا بعد فترةٍ من الالتزام، والحصول على تزكياتٍ خاصّةٍ من عُضْواتٍ سابقات، وإثبات الولاء المُطلق للجماعة.
على مدار تسع سنوات، مشيتُ يوميًا لمدة عشرين دقيقةٍ لأصِل المسجد. كانت "الآنسة" تستقبلني، جالسةً على كرسيّ في إحدى زوايا المسجد، وقد التفّتْ الفتيات أو "المُريدات" حول قَدَميْها، بدلالةٍ على أنّها أعلى مرتبة عِلمًا ودينًا. في خلال الدرس، قد تقوم "الآنسة" بتفحُّصِكِ بالكامل، بشكلٍ مباغت، فتَتَفقّد جميع تفاصيلكِ، وتطرح شتّى أنواع الأسئلة، وترفع التنانير مفتّشةً اللِباس الشرعيّ الداخليّ باستخدام مِسطرةٍ خشبيّة.
بطبيعة الحال، كنتُ التحقتُ بصفوف "الطالبات"، وهنَّ الشريحة المُستهدفة والقاعدة التي تَرتكزُ عليها الجماعة في عملها. يتمّ تأطير الطالبات في حلقات، وتَتْبَعُ كلّ حلقةٍ لآنسةٍ بما يشبه الخليّة التي تلتقي بشكلٍ دوريّ، وتُعطى مناهج مدروسة ومُقرّرة من قبل مجلس إدارة "الحجّيات". لم يقتصرْ نشاط الجماعة على التعليم الدينيّ الشرعيّ فقط، بل كان لها أيضًا تأثيرٌ كبيرٌ في خلق الأجواء الروحانيّة للطالبات أو "المُريدات" وقبولهنّ في المناطق الشعبية، بعد أنْ كان الاستهداف مرتكزًا على النخبة وطبقة الأثرياء في دمشق بغرض استقطاب طبقات السُّلطة الحاكمة ومدّ أذرع الجماعة إليها، ومن ثم استغلالها لاحقًا للوصول إلى قواعد شعبيّةٍ أكبر ومناصب حكوميّةٍ في وزارة الأوقاف والتعليم.
على الرغم من كونِهنّ جماعةً دينيّةً نسائيّة، لم تغِب السُّلطة الأبويّة عن صفوف القُبيسيّات. فقد اعتمدنَ بشكلٍ واضحٍ على قلة ويمكن القول غياب المؤسّسات النسائيّة الأخرى، وأوهمْنَ النساء أنّ الجماعة هي طريق الخلاص الوحيدة. أمّا أسلوب الانتقاء، فيقوم على اختيار مَن تُظهِر الولاء، والطاعة العمياء، وتقديس الجماعة وعضواتها. ساعدَت هذه الخطة الروحانيّة الدّعويّة الإسلاميّة في دقّ مسامير الجماعة داخل المجتمع ليتحكّمنَ بجميع أطرافه، فنظامهنّ الداخلي يتركّز تمامًا مثل تركّز النظام الأبويّ.
لطالما تساءلتُ، هل كانت "الآنسة" ترفض جسدها أم جسدي؟ فلم يقتصر التشديد والحزم على الشكل الخارجي فقط، بل كان يلاحقنا داخل غُرفنا وفوق أسِرّتنا
لم تكن قبضة القُبَيْسيّات أخفّ وطأةً من قبضة النظام الأبوي، بل على العكس تمامًا. فقد فرَضنَ سيطرتهنّ الكاملة، ومارسنَ السلطة على الطالبات. فارتكَبن العديد من التجاوزات الجسديّة والجنسيّة لمصالح شخصيّة، وأتمَمن الزيجات المدبّرة لمصالح اقتصاديّة، كما قُمن باختيار الأقسام الدراسيّة، وتدخّلنَ في الاحتياجات والرغبات الخاصة للطالبات أيضًا. بإيجاز، لقد وظّفنَ جميع أدوات القمع الذكورية، ففرضنَ لباسًا موحدًا على جميع العُضْوات وطَمسنَ أيّ مظاهر تعبيرٍ أنثويّة. حرّمنَ إزالة الشعر الزائد من الوجه أو الجسد باعتبار أنّه قد يؤدي إلى غواية الرجل، ورفضنَ أيّ موضوعٍ يتعلّق بحرّية جسد المرأة، وَوَصفنَ الدورة الشهرية بالنجاسة. احتقرنَ أجساد النساء، وعَلّمنَ "الطالبات" أنّ احتياجاتهنّ الجسديّة ما هي إلا أوهام ووساوس من الشيطان. كما حَرّمنَ الاستماع إلى الموسيقى، والرسم، والغناء، وممارسة الرياضة في العلن. لم تكن تلك تعاليم دينيّة بحت، فقد استخدمنَ شِعاراتٍ رنّانةً لخلق جوٍّ مسمومٍ مليء بالتردّد والشك في نفوس "الطالبات"، والسّعي الدائم لإرضاء "الآنسة" المسؤولة.
تسليع الطالبات وقُدسية الآنسات
- "لازم تلبسي شورت وشيال، ما بيجوز تفوتي على الحمام وأنتِ عارية، ولا تِطَّلعي على عورتك، ولا تِلمسيها (في إشارةٍ منها للعادة السرّية)، هادْ الشيطان عم يوسوس لِك".
لطالما تساءلتُ، هل كانت "الآنسة" ترفض جسدها أم جسدي؟ فلم يقتصر التشديد والحزم على الشكل الخارجي فقط، بل كان يلاحقنا داخل غُرفنا وفوق أسِرّتنا، وحال استعدادنا للخروج من أبواب غُرفنا الصغيرة. إذ كان علينا ارتداء زيٍّ موحّدٍ مُتعارفٍ عليه: الحجاب الأبيض المربوط، والتنورة "المكسّرة"، والجوارب السميكة، والقميص الأبيض الذي "لا يشِفّ ولا يصِف". و"المانطو" هو أفضل الخيارات، إذ كان من المُستحبّ لديهنّ أن نختفي تحت كلّ هذه الطبقات، وألّا يَتكشّف شيءٌ من أجسادنا للخارج. ولم يكن الجسد هو المُستهدف الوحيد، بل صوت المرأة أيضًا "عورة". فكم كنتُ أستمتعُ بتِلاوة القرآن بصوتٍ مرتفع، وصدى المسجد يُساعد بارتداد الصوت وجعله أقوى وأوضح. لكن سرعان ما كنّ يأتينَ لإخباري بأنّ صوتي قد يسمعه الرجال من خارج المسجد، وأنّ ذلك من الكبائر والمحرّمات. لكنّني كنتُ أعاود التلاوة كلّما شعرتُ برغبةٍ في ذلك.
كان علينا فقط الانصياع للأوامر وعدم التشكيك بحِكَمِ "الآنسة" أبدًا. فـ"الآنسات" يحصلنَ على الموافقة الكاملة المسبقة من أولياء الأمور بجميع الأحوال، ويقدّمنَ تقييماتٍ شهريةً لهم/نّ في حال وقوع إحدانا في أيّ "خطأ" أو "تجاوز". لم تكن تلك التجربة سهلة.
لطالما شعرتُ بالخزي من تحولات جسدي الطبيعيّة عند البلوغ. في خلال هذه الفترة، سيتردّدُ دائمًا على مسمعكِ أنّ هذه التغييرات لا يجب أن يراها أحد، ومن الأفضل لكِ أن تظلّي طفلةً لأطول فترةٍ ممكنة. الشّعر الزائد، والهرمونات، وظهور ملامح أنثويّة جسديّة في محيطٍ كذلك قد يكون أسوأ من "جهنم". حتى الآن، لا أفهم كيف لامرأةٍ أنْ تحتقر جسد امرأةٍ أخرى على ذلك النحو، لمجرّد أنها تختبر الدورة الشهريّة. في خلال رحلة التعافي من تلك التجربة، أضْطرُّ دائمًا إلى تذكير نفسي بأنني لستُ "نجسة"، وأنّ الدورة الشهريّة هي طريقة أجسامنا للتأكيد على قدرتنا على الإنجاب ومتابعة استمرارية الجنس البشريّ، حتى إنْ لم يكن واجبًا علينا ذلك.
حتى اليوم، لم يتوقّف عمل القُبَيْسيّات، وما زالت الجماعة تسعى بدأبٍ كبير إلى توسيع قاعدتها العامة من "الطالبات". ويركّز نشاط "الآنسات" على استقطاب أعدادٍ أكبر وتشجيع الطالبات على جذب ما استطعنَ من فتيات، فيُقدّمنَ ميزاتٍ للطالبة التي تستطيع إحضار مجموعةٍ جديدةٍ من "المُريدات". كما يُعدّ الحجاب هدفًا تسعى الجماعة لنشره بين أوساط الفتيات من مختلف الفئات العمريّة، فتُقيمُ حفلاتٍ خاصةً لتحجيب الفتيات وتجنيدهنّ في صُفوفها وتشجيع الأُخريات على اتّخاذ تلك الخطوة. هكذا تُغرس في نفوس الفتيات أهميّة الحجاب، ومَكانته، وكونه فريضةً الدينيّة، ناهيك عن الأفكار التي تُزرع في أذهانهنّ، على نحوٍ واعٍ أو لا واعٍ، مثل فكرة نبذ غير المحجّبات، وتشويه صورة أيّ فتاةٍ أو امرأةٍ لا تؤيّد القُبَيْسيّات.
تحظى "الآنسات" بمكانةٍ دينيّةٍ رفيعة، وكلّما عَلَتْ رُتبة الآنسة، عَلا شأنُها الدينيّ وزادتْ هيبتُها وقُدسيّتُها المزروعة في نفوس "الطالبات". و"الآنسات"، على اختلاف رُتَبهنّ، يُمثّلنَ قَداسةً إلهيّةً في رِضاهنّ وسخْطِهنّ. فـ"رضا الآنسة من رضا الله، وغضبها من غضبه"، أي أنّ غضب "الآنسة" من "طالبة" ما لا يَنبعُ من غضبٍ ذاتيّ، بقدرِ ما هو دلالةٌ على "غضب الله"، الأمر الذي يُؤثّر سلبًا في نفسيّة "الطالبة" التي ثَبُتَ غضبُ "الآنسة" منها. وبالإضافة إلى وجود هيمنةٍ عاطفيّةٍ تسهم في خلق مُناخٍ غير صحيٍّ من التنافس بين الطالبات والتناحر في حبّ "الآنسة"، يسلخُ هذا التعلّق المَرَضيّ الفتياتِ عن محيطهنّ، ليَدُرنَ فقط في فلك "الآنسة".
ثمّة "قاعدة قُبَيْسيّة" تقول: "إنّ كلُّ أنثى تَملكُ بطبيعتها وَهجًا عاطفيًّا لا غِنى عن تَفْريغه. وتعلّق الطالبة بآنستها يُفرِّغ هذه العاطفة، وهو أفضل من التعلّق بشابٍّ ما". هذه الوساطة الربّانيّة جعلَت الفتيات يُقْبلنَ طوعًا على البَوْح للآنسات بأفعالهنّ، مهما كانت، على نهج الاعتراف الكنَسيّ.
أرفضُ أنْ أكون "سِلعة"
لم تكن تجربتي فريدةً ومختلفةً عن باقي النساء اللواتي انتسبنَ للقُبَيْسيّات. فإنْ سمَحتْ لكِ الفرصة بزيارة دمشق قبل عام 2011، ربّما لاحظتِ المحافظة الشَّكلية على اللِباس الموحّد ذي الطابع الدينيّ لدى بعض النساء والتزامهنّ بالحجاب الأبيض المربوط. لكنّ القُبيسيّات لم يظهَرن مطلقًا بشكلٍ علنيّ. لكن مع انطلاق الثورة مطلع عام 2011، يُشاع أنّ إحدى "الحجّيات" عُيّنَت معاوِنةً لوزير الأوقاف بمرسومٍ جمهوري، وشرعَت أجهزةُ النظام السوري في تأمين وتسهيل فعاليّات الجماعة في العاصمة وغيرها من المُدُن السورية، مقابل تحريم القُبيسيّات الخروج على النظام السوري، وترويجهنّ له، وامتناعهنّ عن نشر أيّ خطابٍ معادٍ له. ثم في عام 2014، جرى تداول صُورٍ للقُبيسيّات في لقاءٍ مع بشار الأسد، كما انتشر فيديو يُظهر تجمّعًا دينيًا لهنّ في الجامع الأمويّ في دمشق تخلّلته أناشيد دينيّة. أدّى كل ذلك إلى ازدياد الربط بين النظام السوري وجماعة القُبيسيّات، حتى أنّ وزارة الأوقاف السّورية أصدرَت في عام 2018 بيانًا نفَت فيه وجود تنظيمٍ يُسمّى القُبيسيّات، قائلةً إنّ النسوة المقصودات هنّ معلّمات قرآن، وموضحةً أنهنّ "متطوّعات ويعمَلن تحت إشراف الوزارة". لكن اللّافت أنّ الوزارة أشادَت بدور القُبيسيّات في خلال السنوات السابقة في سوريا، قائلةً إنّ "كان لهن الدور الرائد في الدفاع عن الدولة ووحدة الوطن"، ما يَشي بعلاقةٍ طيّبةٍ تربطهنّ بالنظام.
استطعتُ الهروب من فخّ التديّن السطحيّ والتَبعيّة العمياء مع انطلاق الثورة السورية في مطلع آذار 2011. لم تكن ثمّة لحظة معيّنة جعلَتني أرفض الاستمرار في ذلك المحيط أو أرغب بالتحرّر منه، لكنني كنتُ متأكدةً من أنّني لستُ الوحيدة التي "شمّعَت الخيط وهربَت" من قبضة منظومةٍ أبويةٍ ذكوريةٍ تاريخيّة، سواء كانت بيَدِ رجل، أم امرأة، أم غير ذلك. شهدتُ تغيّراتٍ وأعراضًا جانبيةً بعد تركي الجماعة، فالحاجة الماسّة إلى التبَعيّة أو لوجود وسيطٍ ما لا تزال متفشّيةً في صفوف المنشقّات، بالإضافة إلى استصعاب اتخاذ القرارات الشخصية من دون وجود مرجعيةٍ واضحةٍ مثل "الآنسة". كان من الصعب عليّ استيعاب كل تلك الآثار مرةً واحدة. وبعد امتعاضٍ وغضبٍ عارمَين من "الآنسات" بسبب خياراتي وطُرُق عيشي الجديدة، ووَضعي القُبَيْسيّات تحت عدسةٍ مُكبّرة، اكتشفتُ أنّ اجتياز الحدود الوهمية المرسومة حولنا والتي وافقنا عليها من دون علمِنا لم يكن خيارًا سهلًا؛ إذ لم يكن ثمّة طلب استقالةٍ للخروج من الجماعة، كما لم تكن هناك ملاحقةٌ علنيةٌ للمنشقّات. لكنّ التكفير وكَيل الاتهامات بالعدول عن الصراط المستقيم والرّجم اللّفظي الذي تتعرّض له المنشقّات يرقى إلى مرتبة التعذيب النفسي.
وبعد سنتَين من توجيه الاتهامات ضدّي، وحرصهنّ في الوقت عينه على تجنّب أيّ زعزعةٍ في صفوفهنّ، واجهَتْ الجماعةُ في مطلع عام 2011 مرحلةً صعبة، إذ رفض النظام الاعتراف علنًا بهنّ تنظيمًا مستقلًّا، وازدادَت الانشقاقاتُ داخل المجتمع السّوري والجيش، فوُلِدَت تيّاراتٌ وجماعاتٌ دينيةٌ وإسلاميةٌ عديدةٌ كان من بينها فصائل مسلّحة. أدّى هذا الوضع إلى تضييق الخناق على جماعة القُبيسيّات، فبدأنَ بإخفاء بعض مظاهر الالتزام الشّكليّ بالزيّ الموحّد لتفادي لفت الأنظار إليهنّ. ساعدَني ذلك الوضع في الابتعاد عن الجماعة بحلول نهاية عام 2011. كما شَكّل موقف الجماعة المؤيّد للنظام السوري القشّة الأخيرة بالنسبة لكثيرات، إذ استَخدمَتْ كلّ تأثيرها لدعمه وتبرير إرهابه، مُثبِتةً أنّ أساليبها المُستخدَمة لا تستطيع النمو والتمدّد إلا في ظلّ أنظمة التجهيل والقمع.
- 1المُريدة: مصطلح صوفي يُطلق على تابعة أو تلميذة الشيخة، وأُطلق على الطالبات والتلميذات القبيسيات لاتباعهنّ منهجًا روحانيًا صوفيًا.
- 2 جماعة نسائيةٌ إسلاميةٌ دعويةٌ أسّسَتها الشيخة منيرة القبيسي في دمشق في مطلع ستّينات القرن الماضي.
إضافة تعليق جديد