صورنا أو عناويننا ورسائلنا الإلكترونية، مثلًا، هي مثل أجسادنا، وليس للآخرين الحق في انتهاك حرمتها أو الولوج إليها من دون موافقتنا، ومع ذلك يفعلها الكثيرون.
عادة ما تُتناول قضايا العنف ضد النساء من منظور معنوي وجسدي كالاغتصاب والتحرش الجنسي والعنف الأسري، ولكن قليلًا ما يُسلّط الضوء على أنواع أخرى من الاعتداءات والانتهاكات التي تهم جوانب أخرى مثل انتهاك الخصوصية أو معطيات الحياة الخاصة. صورنا أو عناويننا ورسائلنا الإلكترونية، مثلًا، هي مثل أجسادنا، وليس للآخرين الحق في انتهاك حرمتها أو الولوج إليها من دون موافقتنا، ومع ذلك يفعلها الكثيرون. كثيرات هن اللواتي وجدن أنفسهن في مواجهة حقيقة مزعجة: شريكٌ سابق غاضب ويهدد، أو هاكر (مخترِق) متطفل قد ولج إلى حساباتنا. النتيجة واحدة: صورنا الحميمية والخاصة ليست ملكنا بل هي الآن على شبكة الإنترنت وللكل القدرة على تنزيلها واستعمالها.
''الانتقام الإباحي'': مصطلح مضلّل
في بلدان عربية كثيرة ومنها تونس، تجد النساء أنفسهن أمام كابوس اختراق معلوماتهن الشخصية بما في ذلك صورهن الخاصة أو أمام عمليات ابتزاز وانتقام باستعمال هذه الصور الحميمية أو مقاطع فيديو صُوّرت لهنّ خلسة. وفي العديد من المرات تُرفع هذه المواد على المنصات الاجتماعية أو مواقع إباحية للتنكيل بهن أو فقط اعتقادًا بأن للجميع الحق الآن في اقتسام هذه الغنيمة. وكثيرًا ما تختار النساء الصمت لأن القضاء سيورّطهن في قضايا أخلاقية إن تجرّأن على تتبع الفاعل.
تُستعمل عبارة ''الانتقام الإباحي'' في سياقات مختلفة لوصف هذه الظاهرة لكن عبارات أخرى مثل "مشاركة الصور الحميمية من دون رضا أصحابها" تبدو أكثر ملاءمة.
يُعرّف "الانتقام الإباحي" أو "الانتقام البورنوغرافي" حسب بعض الدراسات، على أنه مشاركة الفيديوهات والصور الحميمية من دون رضا أصحابها وذلك بغرض التشهير والانتقام أو ببساطة لأن البعض يجد متعة في نشر ''الفضائح'' على شبكات التواصل الاجتماعي لما تجلبه هذه المنشورات من إعجاب و"تشفّي". يرسل الأشخاص في إطار علاقاتهم العاطفية لبعضهم صورًا بعضها حميمي كالصور العارية أو الصور ذات الإيحاءات الجنسية، كما يلتقط الكثيرون صورًا ''تخلّد '' الأوقات الحميمة والخاصة التي قضوها مع بعضهم البعض. وعادة ما يقلل مرسل الصور من شأن مصير الصور ولكن عندما ينفصل الشخصان قد يقوم أحدهما أحيانًا بنشر صور الآخر الخاصة والحميمية على الإنترنت كنوع من الانتقام وكردة فعل على الانفصال أو المشاكل التي حدثت بينهما. لكن حسب مبادرة الحقوق المدنية السيبرانية، وهي منظمة غير ربحية تعمل من أجل مساعدة آلاف الناجيات من الانتهاكات السيبرانية، فإن مصطلح ''الانتقام الإباحي'' مضلل إلى حد ما على الرغم من استخدامه بشكل متكرر. فالكثير من الجناة ليسوا مدفوعين بالانتقام أو بأي مشاعر شخصية تجاه الناجية. وتقول المنظمة أنه يمكن استعمال مصطلحات اخرى اكثر دقة مثل ''Nonconsensual Pornography'' والمعرّف بأنه توزيع الصور الإباحية للأفراد من دون موافقتهم.
ومع ذلك فإن الظاهرة ليست جديدة. ففي الثمانينات كان لمجلة
وتواصلت الظاهرة بعد ذلك لتشمل رفع صور الصديقات القديمات على مواقع مثل مجمع الفيديوهات الإباحية XTube والذي كان يستقبل العديد من الشكاوى أسبوعيًا بسبب المحتوى الإباحي غير التوافقي الذي رُفع على الموقع لتبدأ بعدها مواقع ويب ومدونات عديدة مخصصة لهذا النوع من الانتقام في الظهور وغالبًا ما تُمزج مواد حقيقية صُوّرت خلسة مع مواد مزيفة صُورت للغرض.
الانتقام الإباحي مصطلح مغلوط ومضلل يجب استبداله بمصطلح أكثر دقة
ومع ظهور شبكات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الدردشة ووفرة الموبايلات، أصبحت عملية إرسال ورفع مثل هذه المواد عملية سهلة وبلا رقيب، كما يعتقد العديد من مستخدمي ومستخدمات الإنترنت.
وتوصي دراسات نسوية بالحذر خلال استعمال بعض المصطلحات وتقول أن الانتقام الإباحي مصطلح مغلوط ومضلل يجب استبداله بمصطلح أكثر دقة مثل '
الهروب من العقاب
بدأت رحلة البحث عن شهادات لنساء تعرضن لمشاركة الفيديوهات والصور الحميمية من دون رضاهن على مواقع التواصل الاجتماعي نفسها ولكن إيجاد نساء قد يقبلن بمشاركة تجاربهن القاسية مع هذا النوع من العنف الإلكتروني كان أمرًا صعبًا. الموضوع يعتبر شائكًا جدًا ومسكوت عنه خاصة في بلداننا العربية، وذلك لجهل الكثير منهن بالقوانين التي تُجرّم هذا الأمر، وأيضًا لأن الكثيرات منهن يعتقدن أنهن ''متورطات'' في ما حدث لهن من نشر لصور حميمية أو مقاطع فيديو خاصة بهن وهن في وضعيات جنسية على الإنترنت حتى وإن كان من دون رضاهن. لكن منشورًا كنت قد كتبته في إحدى المجموعات المغلقة على الفايسبوك والتي تعتبر ''فضاءً آمنًا'' للنساء لمشاركة مشاكلهن وتجاربهن في الحياة، قد ساعدني في إيجاد بعض الشهادات لنساء يفتحن قلوبهن مجددًا لكسر جدار الصمت حول ما تعرضن له من ابتزاز و هرسلة (مضايقة) من قبل أشخاص جمعتهن بهم علاقات عاطفية سابقة.
تقول إيمان.ر (اسم مستعار) أنها تُعيد الحديث عن تجربتها بعد أن دفنت الحادثة في ركن صغير من الذاكرة وأن الحديث عن ما وقع معها أعادها إلى دوامة الخوف والغضب الأولى. تعود الحادثة إلى سنة 2013 عندما نشر خطيب إيمان الذي انفصلت عنه صورًا حميمة لها على موقع فيسبوك وعبر صفحة خاصة بالمحتوى الجنسي. بعد الصدمة، غادرت إيمان فايسبوك لمدة أشهر على أمل أن تختفي صورها من الصفحات وأن ينتهي كابوس الرسائل الشخصية المهينة والمبتزة التي تهاطلت عليها بعد أن نشر خطيبها السابق صورها كوسيلة للانتقام والتشفي بعد الانفصال. لكن الصور لم تختفِ رغم استمرارها في الضغط على خاصية
ترسل لي إحدى الصديقات رسالة لتخبرني أنها تعرضت لانتهاك مماثل منذ ما يقارب العشر سنوات. قبل أن يحتل الفايسبوك الصدارة كأكثر مواقع التواصل الاجتماعي استعمالا في تونس (83.73% من مستخدمي ومستخدمات الشبكات الاجتماعية في تونس يستخدمون فايسبوك حسب إحصائيات موقع StatCounter)، كانت هناك منصات عديدة للتعارف ومنها غرف الدردشة والتي يقوم عن طريقها الشباب والكهول على حد السواء بالتعارف والتحادث سواء باستعمال معطيات شخصية حقيقية أو مزيفة للحفاظ على الخصوصية واستعمال الإنترنت في كنف السرية. تقول مريم.ب (اسم مستعار) أنها كانت تعاني من حالة اكتئاب دفعت بها إلى إدمان الولوج إلى غرف الدردشة على النت حيث تعرفت على شخص جمعتها به علاقة عاطفية افتراضية. تعرض حاسوب مريم في أحد الأيام إلى الاختراق وتمكن صديقها الافتراضي من التحكم في كاميرا الجهاز لتسجيل مقاطع فيديو لها وهي عارية.
''عندما أردت وضع نهاية للعلاقة الافتراضية قام بإرسال مقاطع الفيديو التي أبدو فيها عارية لمجموعة من أصدقائه وتم تحميل المقاطع على مواقع إباحية.. إلى اليوم تصلني صور لي على هذه المواقع''. تقول مريم إنها لا تريد الخوض مجددًا في هذا الموضوع وتقديم شكاية بالفاعل رغم أنها تعرف هويته الحقيقية وترفض فكرة أن يعرف أهلها وأصدقائها أن صورها موجودة على مواقع إباحية.
اختيار الصمت هو في حقيقة الأمر الخيار الأبسط والأسهل لأن المواجهة تعني أن تفتح الضحايا أو الناجيات باب المواجهة على مصراعيه وهنا تنتصر القاعدة المجتمعية القائلة ''هو في النهاية رجل، لا يعيبه شيء'' ففي العديد من الحالات لم تنتصر العدالة للنساء اللاتي تعرضن لمشاركة الفيديوهات والصور الحميمية من دون رضاهن، بل وتم الزج بهن في قضايا أخلاقية ودفعن ثمن لجوئهن إلى العدالة هذا إلى جانب الخوف من
تقول المحامية حياة الجزار، وهي عضوة بجمعية النساء الديمقراطيات، أن هذا النوع من الجرائم في تونس يخضع حاليًا إلى الفصل 86 من مجلة الاتصالات. ويُعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين سنة واحدة وسنتين وبخطية من مائة إلى ألف دينار تونسي أي ما يعادل 30 إلى 300 يورو كل من يتعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات. ولكن بما أننا نتحدث عن جرائم إلكترونية، يأتي قانون الجريمة الإلكترونية لتوضيح نوعية هذه الجرائم وطبيعة العقاب المتعلق بها، بدل الاعتماد على الفصل 86 الذي لا يعتبر كافيًا بالمرة''.
ولجأت إحدى منوبات الجزار إلى القضاء مؤخرًا بعد أن عمد صديقها السابق إلى تهديدها بمقاطع فيديو لهما وهما بصدد ممارسة الجنس عبر مواقع التواصل وابتزازها من أجل الحصول على أموال و ستنظر محكمة تونسية في هذه القضية في الأسابيع المقبلة. وتقول الجزار أن ممارسة الجنس عبر الإنترنت هي ممارسة حميمية لا تدعو للتجريم، في حين أن نشر محتويات جنسية أو حميمية للأشخاص من دون علمهم/ن أو موافقتهم/ن من أجل التهديد أو الابتزاز هو جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون. ويأتي هذا التوضيح للتعليق على حالات عديدة لجأت فيها نساء إلى القضاء بسبب التلاعب بصورهن الحميمية الخاصة، فتم الزجّ بهن في قضايا زنا وشرف وهو ما يدفع العديد من النساء إلى تجنب الدخول في هذه القضايا والتستر على مرتكبيها خوفًا من العقاب.
قانون الجرائم الإلكترونية: هل هو كاف؟
يقر الفصل 25 من مشروع قانون مكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال التونسي والذي يندرج ضمن القسم الثالث المتعلق بجرائم المحتوى المعلوماتي غير المشروع بالسجن لمدّة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار (ما يقارب 15000 يورو) لكل من يتّعمد استعمال نظام معلومات في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى منافٍ للأخلاق الحميدة أو إظهارها بطريقة من شأنها هتك شرفه أو المساس من اعتباره، كما أن المحاولة موجبة للعقاب أيضًا.
ولكن المشكل الذي تطرحه قوانين الجرائم الإلكترونية هو الخطر الذي تمثله أحيانًا مثل هذه القوانين على النشاط الإلكتروني مثل الرقابة والتوظيف السياسي لملاحقة الناشطات والناشطين، كما تكرس هذه القوانين لفكرة الأخلاق الحميدة التي تمكّن المجتمع المحافظ والدولة من الاحتكار المطلق لمفهوم الصواب والخطأ. فبدل إرساء قوانين تكرس لأخلاقيات كونية مثل الاحترام والخصوصية والأمان للجميع، تُصاغ قوانين فضفاضة يطوٌعها القضاء حسب مزاجه وحسب ما تمليه ''ديكتاتورية المجتمع والسلطة '' مما يعرض فئات كثيرة من المنبوذات والمنبوذين مجتمعيًا (كالعاملات بالجنس مثلًا، أو النساء المتحرّرات والمستقلات، أو الأمهات العازبات ومثليات ومثليو الجنس) إلى المساءلة الأخلاقية بدل إنصافهم/ن بسبب اللجوء لقوانين تحتكم إلى قيم مضيًقة مبنية على فكرة الأعراف والشرف.
ورغم إثارتها للجدل باعتبارها أداة تستعمل أحيانًا من قبل الحكومات من أجل تقييد حرية التعبير والرأي وإسكات الأصوات المعارضة، إلا أن هذا القوانين يمكن أن تساعد على الحد من جرائم العنف المسلط على النساء عبر الإنترنت وخاصة حالات الابتزاز واستعمال معطياتهن الشخصية بغرض إباحي حسب ديما سمارو، باحثة في السياسات في قسم الشرق الأوسط لمنظمة Access Now، وهي منظمة دولية غير ربحية تهتم بحقوق الإنسان والسياسات العامة وكسب التأييد من أجل إنترنت مفتوح ومجاني للجميع. تقول ديما أن قانون حماية المعطيات الشخصية وتقنين جرائم الإنترنت يواجه تحديات كثيرة في تونس ومنها عدم تمكن مكونات المجتمع المدني من الاطلاع على التعديلات التي شملت مسودة مشروع قانون مكافحة جرائم المعلومات الذي لم يُمرر إلى حد الساعة لمجلس النواب للمصادقة عليه بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء في مطلع مايو 2018.
ولأن الوقاية خير من العلاج والحماية من أي تهديدات للاختراق أو للاستيلاء على صورك الخاصة هي أفضل الحلول، إليك بعض النصائح الأساسية من أجل وجود آمن على الإنترنت.1
لا تضعي معلوماتك الخاصة للعلن من دون التثبت من
اعملي على أن تكون كلمات السر الخاصة بحساباتك على فايسبوك أو إنستاغرام أو تويتر ذات خصوصيات عالية كأن لا تقل كلمة السر عن عشرة أحرف، وعلى أن تكون مزيجًا من أحرف وأرقام ورموز خاصة، وحاولي أن تستعملي
عمليات القرصنة والاختراق تحصل حتى عندما تكون كلمات السر قوية. فمن المهم إذا استعمال
علينا أن نعرف أن كل الصور والمعطيات الخاصة بنا والتي نضعها بكل طواعية على الفايسبوك مثلا تُجمّع بشكل أو بآخر ولذلك يجب أن تكون لدينا القدرة على التحكم فيما ما نضعه للعموم. كذلك توجد تطبيقات مشفرة تضمن الخصوصية عند التواصل مثل تطبيق ''Signal Private Messenger'' والذي يحتوي أيضًا على خاصية التشفير وإعدادات حماية أكثر من تطبيق واتساب وفيسبوك ماسنجر.
وتعمل منظمات مثل Access Now على مساعدة مستعملي ومستعملات الإنترنت على التبليغ عن حالات القرصنة والتلاعب بالمعطيات الشخصية. وتوفر المنظمة خدمة تسمى بخط
وتعّرف الشركات الراعية لوسائل التواصل الاجتماعي حجم استعمال هذه المنصات من أجل التشهير بالآخرين وخاصة استعمال صور لأشخاص من دون علمهم من أجل أغراض إباحية، ولكن يبدو أن المجهودات المبذولة في سبيل التصدي لهذه الظواهر التي تنتهك حرماتنا الشخصية لا تبدو إلى حد الآن مجدية. ورغم أن شركة جوجل قررت سحب نتائج البحث التي تتضمن صورًا لأشخاص عراة أو أخرى فاضحة جنسيًا بناء على طلبات ضحايا النشر غير التوافقي للصور الحميمية إلا أن سحب الصور من محركات البحث لا يعني اختفاءها من مواقع إلكترونية أخرى أو من شبكة الإنترنت نهائيًا.
يقال للناجيات من تجارب مشاركة الفيديوهات والصور الحميمية من دون رضاهن أن الحل ببساطة هو عدم التقاط صور عارية أو حميمية، ولكن هذا الأسلوب يُلقي باللوم على الضحية أو الناجية، بدلًا من لوم الفاعل. لا يجب أن نلوم النساء على ثقتهن في شركائهن العاطفيين خاصة أن العلاقات العاطفية أخذت أبعادًا أخرى مع أدوات الاتصال الحديثة. ومع ذلك نحن مطالبات بمعرفة مخاطر نشاطنا الإلكتروني عندما يتعلق الأمر بإرسال صور شخصية أو حميمية عبر المواقع والتطبيقات التي نستعملها بكثافة وخاصة عندما يتعلق الأمر باستعمال الإنترنت في بلدان تفتقر إلى قوانين تنظم استعمالها وتأخذ الجرائم الإلكترونية على محمل الجد.
- 1نخاطب هنا النساء، لكن هذه التوجيهات تُعد قيّمة لجميع مستخدمات ومستخدمي الإنترنت، وكلما زاد عدد المهتمات والمهتمين بالأمان الرقمي واتباع بعض الإجراءات الاحترازية، كلما أصبحت بيئتنا الإلكترونية أكثر أمانًا لنا ولغيرنا.
إضافة تعليق جديد